علي حسين (السعلي)
خرجتُ من الباحة وكنت وقتها مدير مكتب صحيفة البلاد مكلفاً قبل أن يتم إقصائي بدعوى كيدية من أحد مسؤولي الثقافة والأدب بسبب مقالاتي التي كنت أكتبها وخاصة تغطياتي الأدبية ... لدرجة أن أحد رؤساء التحرير وقتها نسيت اسمه ولا أحب أتذكره بصراحة ... هاتفني منزعجاً وغاضباً في البداية تحملته وصبرت وتغاضيت في الأخير رددت عليها بكلمتين ( لم ولن أعتذر ) فالصحافة حرية ما دام لم أتجاوز الثالوث المحرم [الدين ، الحنس ،السياسة ] فيبدو لم يعجبه ردي حتى تم إقصائي مع سبق الإصرار والترصّد، الله يسامحه.
أذكر لكم شيئاً بيني وبينكم هُسْ ربما يفوق ما كتبته فوق؟ حسناً
«خرجت من باحتي عشيقتي هكذا وأنا كالذي ارتكب جريمة أكبر ضربة تكسرك التي تجيك من بعض ثعالب الصحافة وذئاب الإعلام لكن أبشركم حين جاءتني الضربة لم تكسرني بل قوتني والحمد لله.
أما الضربة الثانية فهي لم يلتفت لي أحد من بعض زملائي الإعلاميين في الباحة كأني لست منهم ولا من طين أرضهم ولا من جبالها الشامخة ... خرجت من الباحة منكسر القلب منفطر الخاطر ولا اتصال دفّأ روحي من برد المكر والخديعة والنفاق والمجاملة الكاذبة نعم أقولها مراراً وتكراراً لنفسي حتى كل ما أتذكر تلك المواقف أقوى أكثر بإذن الله فأكثر ..
واتجهت بقواي المنهارة، إلى جدة وبحرها وإلى الآن أذهب إليه أشتكي له قسوة الأيام وجفاء السنين كان حلمي واحداً: أن أعود إلى باحتي شامخ الرأس مزهو الحرف، يشار لي بالبنان، كانت دمعاتي أيامها وقودي لأنطلق، فأوّل ما خطر على بالي بما أني مهووسٌ بالثقافة معجون بالأدب سؤال مع حيرة :
أين موقع النادي الأدبي بجدة؟
بحثت بصحبة صديق لي، فدخلت النادي في مبناه القديم الذي تحوّل فيما بعد إلى صالح جمعية الثقافة والفنون، وكانت أمسية للشاعر الخلوق عبد الله الخشرمي وهناك تعرّفت على رئيسها السابق الجهبذ القيمة والقامة الدكتور عبد المحيسن القحطاني احتواني احتضنتني كلماته ومعه النبيل نبيل زارع، توطدت العلاقة بيننا أقصد بيني وبين النادي عبر أمسياته ونشاطاته كان ولم يزل شعلة من حِراك على كافة الأصعدة والمستويات وبركاناً من الأسماء القديرة خصوصاً الشاعر الدكتور أحمد قران الدكتور يوسف العارف وكان قلمي بعد أن التحقت بصحيفة المدينة في مركزها الرئيسي بجدة محرراً ثقافياً تحت إشراف الدكتور فهد الشريف الذي نزلت بركته عليّ وعلى حرفي فتعلمت منه الكثير فهو عرّاب التألق خصوصاً الزملاء القديرين خير الله زربان سهيل طاشكندي الطيب برير فهد زيدان وطبعاً نائبي رئيس التحرير العاشق لمهنة الصحافة الجميل والقدير محمد محجوب ومحمد علي الذي ملأ الدنيا وأشغل الناس بالباحة إعلاماً وتحقيقات وتغطيات متفردة متميزة وأكمل إبداعه في جدة قبل أن يترجل من على صهوة الإعلام فارساً.
ثم جاءت موجة الانتخابات والجمعيات العمومية وخضنا غمارها إعلاميين وعاملين فاعلين وجاء الدكتور عبد الله السلمي رئيساً للنادي، فاحتوى الجميع بعد غضب البعض من مثقفي جدة الكرام والكريمات من نتيجتها آنذاك، فانطلق النادي بعزيمة الرجال نشاطاً وفعاليات وأمسيات من خلال منتدى عبقر والقصة والمسرح والفلسفة والدوريات والمجلات في الشعر والنقد والدراسات البحثية وهكذا، العجيب أن الدكتور السلمي لم أشاهده يغضب يوماً ما بل الابتسامة تطبع على محياه هذا البرفيسور عبد الله السلمي علامة فارقة في مشهدنا الثقافي، رجل صادق، مثقف عميق، حبه غير للغير عاشق للحرف، ناسخ للعبارة، فاتح على كل الثقافات، فجاء تتويج هذا كله قبل أيام فائتة عبر ملتقى النص20?? واحتفالية نادي جدة الأدبي مسيرة 50 عاماً?? يقف خلفه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ثقافة أدباً فكراً فلسفة تواصلاً مثاقفة...
خمسون عاماً يا أدبي جدة ولا زلت منارة وقبلة المثقفين.
خسمون عاماً يا أدبي جدة لا زلت فناراً يهتدي به صيادو الحرف والعبارة بسفينة الإبداع.
خسمون عاماً يا أدبي جدة نعشق المبنى والمعنى والقافية والحكاية والرواية والفلسفة والمسرح.
خسمون عاماً يا أدبي جدة سطرت بحروف من ذهب منذ أول عبد الفتاح أبو مدين يرحمه الله إلى عبد الله السلمي وفاءً لأوفياء وحبل الله المتين بأقرأ وتعلم وعلم واستفد وأفد.
سطر وفاصلة
سنذهب كلنا إلى دار الحق والخلود بإذن الله جنّات النعيم بفضله وكرمه. وتبقى سيرنا حرفاً سطراً شعراً قصة رواية فلسفة كتباً تحكي تاريخ الأمم، سيعرف الجميع أن الأندية الأدبية الستة عشر حامية لكتاب الأدب حارسة لمسيرة حافلة بالإبداع كأدبي جدة.