خالد بن حمد المالك
من الملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية على لسان مسؤوليها الكبار تتحدث عن شيء وتتصرف على نقيضه، بمعنى أنها تقول مالا تفعله، وتوهم الآخرين بموقف، فيما هي تخفي ما هو غير ذلك، ففي أهدافها تناقضٌ كبيرٌ ومفضوحٌ، ملبياً لسياسة دولة لا تنظر إلا بما يلبي أهدافها وأطماعها ويحقق مصالحها.
* *
أحياناً ينكشف الغطاء، وتتضح الصور، ويظهر بجلاء ما تخطط له، مع تكرار التناقض، ونوعية السلوك، ومرامي الأهداف، فتنفضح على المكشوف، وخاصة حين تكون مواقفها مدرجة لسياسات ثابتة ومتكررة ولا تتغير، مهما حاولت أن تتلاعب بالكلمات.
* *
ففي الأيام الماضية حاولت أن تُقحم المملكة بمعلومات عن نيتها في التطبيع مع إسرائيل بطريقة تخالف الموقف السعودي الثابت نحو فلسطين، معتقدة بأن الرياض سوف تلتزم الصمت أمام هذا التجني المفضوح، لكن وزارة الخارجية وفي بيان صريح أعلنت عدم صحة ما صدر عن واشنطن، وأن بلادنا لن تقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وما لم يُوقف القتال في غزة، وتنسحب القوات الإسرائيلية من القطاع، ويسمح بدخول المواد الغذائية وغيرها إلى غزة.
* *
وفي حادث آخر تقوّلت واشنطن على مصر، وقال الرئيس الأمريكي إن القاهرة هي من تمنع دخول المواد الغذائية والصحية وغيرها عبر منذ رفح، وأنه ضغط على الرئيس المصري كي يتم إدخالها بسهولة، ليأتي الرد المصري بعدم صحة هذا الكلام، وأن من يمنع المرور هي إسرائيل، ففشل الرئيس الأمريكي جو بايدن في إثارة مشاعر الفلسطينيين على موقف مصري غير صحيح.
* *
هذه السياسة الأمريكية المخادعة، هي جزء من سياسة أمريكية عامة في تعاملها مع القضية الفلسطينية، ومع الاحتلال الإسرائيلي، ومع أمن واستقرار دول المنطقة، وهي سياسة لا يمكن الشك في أنها لا تخدم السلام ولا الاستقرار في المنطقة، وأن أمريكا بهذه الفوقية في تعاملها مع الدول والشعوب معتمدة على قوتها العسكرية لا يمكن الاطمئنان على حسن نواياها وأهدافها.
* *
العلاقات الدولية تُبنى عادة على المصالح المشتركة لكلا الطرفين، وتقوم وفق اتفاقيات وقواعد يتم احترامها، وتتأسس وفق حاجة الدول إلى التعاون والتنسيق، وخدمة الأهداف المشتركة، لكنها في الحالة الأمريكية لا نرى من الولايات المتحدة الأمريكية إلا عدم الالتزام باحترام علاقاتها الثنائية مع الدول، فهي تتصرف من موقع القوة، بعيداً عن التفاهم والحوار.
* *
أقول هذا، وأعرف أن هناك مصلحة للجميع في بناء علاقات مع أمريكا، كونها دولة عُظمى ومتقدمة في كل الخدمات، ومتطورة صناعياً وتعليمياً وصحياً مالا يستغني الجميع من التعاون معها، ولكن هذا لا يُسقط مطالب الشعوب في أن يكون لها الحق في الدفاع عن حقوقها المشروعة كما هم الفلسطينيون، وأن على واشنطن أن تتفهم ذلك، وتناصره، وتقف إلى جانبه تحقيقاً للعدل والمساواة ومنع الظالم والمحتل من التمادي في عدوانه.
* *
نريد أن نرى أمريكا الدولة المثالية، وغير المكروهة، الدولة التي تتصرف بضمير حي، ومواقف يسندها التعامل مع الواقع الصحيح، والحق الأبلج، والنظرة الموضوعية، والانتقال إلى ما يحبب الشعوب بها، وأن تتعلم من تجاربها, ومن الأحداث التي مرت على امتداد تاريخها، ومن ثم ليسود السلام والعيش المشترك العالم بجميع دوله، بعيداً عن الاصطفاف الأمريكي الغربي المشبوه الذي لا يخدم أحداً.