سلمان بن محمد العُمري
منذ الصغر ونحن نسمع بإصابة فلان من الناس وتكرر كسر إحدى قدميه أو رجليه لأنه مصاب بهشاشة العظام فلا يتحمّل أدنى إصابة، وفي جانب آخر يوجد لدى البعض نقص في المناعة فيكون عرضة للإصابة بأمراض عديدة لأن جسمه لا يتحمّل أي مؤثرات، ولكن ثمة معلومة جديدة كانت غائبة عن البال وإن كنا نعانيها ونعايشها في مجتمعاتنا كثيراً، وبالذات في الآونة الأخيرة ألا وهي «الهشاشة النفسية»؛ فقد أصبح الناس أضعف وأكثر عرضة للانكسار النفسي.
عن هذا الموضوع كتب د. إسماعيل عرفة كتابه الذي يحمل هذا العنوان «الهشاشة النفسية» وهي إشكالية من الإشكاليات النفسية المعاصرة التي انتقلت إلى مجتمعاتنا للأسف، كما انتشرت من قبلنا في الغرب الحديث، حيث ظهرت نتائج المؤثرات المتنوعة من مواد إعلامية ومخترعات وأنظمة مؤثّرة لبعض النفوس البشرية، وكذلك الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي وما حملته من تعظيم الذاتية والأنانية، وصار بعض فئات المجتمع أقرب لمخاطر تلك الهشاشة التي تنذر بانكسارها مع أقل موقف يصيبها بضرر ولو يسير، ولقد استعرض المؤلف أسباب هذه الهشاشة ومظاهر هذه الإشكالية، ومقترحات عملية للتغلب عليها نفسياً ودينياً.
وفي حدود ما قرأت مسبقاً من كتب في مجال التربية أو علم النفس فإن هذا الموضوع الذي تناوله المؤلف يعد جديداً بالنسبة لي وأرى أنه اختار موضوعاً حيوياً مهماً، وجديراً بالتناول والبحث والطرح، والأجمل أن الكاتب حينما تناول هذا الموضوع بدأ كمقال في صفحته على «الفيس بوك»، وتواصل معه الإخوة في دار النشر «مركز دلائل» بمدينة الرياض وهو مركز يعنى بنشر البحوث والدراسات المتخصصة.
ومن أبرز نتائج البحث أو الدراسة يقول الباحث: إننا نقوم أحياناً بتضخيم أي مشكلة تظهر في حياتنا إلى درجة تصويرها ككارثة وجودية في عملية تسمى بعلم النفس «paih catarophizing»، وهذه العملية هي عبارة عن حالة شعورية ما تجعلك تؤمن أن مشكلتك أكبر من قدرتك على التحمّل؛ فتشعر بالعجز والانهيار عند وقوع المشكلة وتظل تصفها بألفاظ سلبية مبالغ فيها لا تساوي حجمها في الحقيقة، وإنما هي أوصاف زائدة لا وجود لها إلا في مخيلتك؛ فيزيد ألمك وتتعاظم معاناتك ثم ماذا؟ ثم تغرق في الشعور بالتحطم الروحي والإنهاك النفسي الكامل، وتحس بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة تماماً، وتستسلم لألمك وتنهار حياتك كلها بسبب هذه المشكلة.
كما تتجلى «الهشاشة النفسية» في أشكال أخرى في تعاملاتنا اليومية، فنحن نعظم مشاعرنا ونجعلها حكماً نهائياً على كل شيء تقريباً ونقرر اعتزال كل ما يؤذي مشاعرنا ولو بكلمة بسيطة.
المؤلف أبدع في عرض المشكلة، وللعلم هو ليس بطبيب نفسي، بل دكتور صيدلاني وباحث في الإلحاد، وصدر له كتاب من قبل بعنوان: «لماذا نحن هنا»، وله العديد من المقالات والمشاركات الفعَّالة في توجيه الشباب.
وفي الختام نستطيع القول إن «الهشاشة النفسية بيئة خصبة للعقد الشخصية».