عبده الأسمري
منح «الشعر» وقته فأهداه «الشعور» الذي حوّله إلى «أصداء» وضعت «المعاناة» دهراً للثبات و «المناجاة» مهراً للإثبات في «قصائد» نطقت بصوت «الإنسان» و«عوائد» صدحت بصدى «البرهان».
أخرج الكلمات من مكنون «النبوغ» في رداء حجج دامغة تكللت بتراتيل شعرية وتفاصيل شعورية رسمت على وجه «الحياة» السلوان رغم الألم وشيدت على واجهة «النجاة» الأمان مع الأمل.
ما بين قاعات «الدرس» ووقائع «النفس» وواقع «التمرس» شكّل تركيبة «أدبية» وتوليفة «لغوية» وخلطة «ثقافية» مزجت التربية بالثقافة وواءمت ما بين العلوم والمعالم ليبقى «التربوي المُوجّه» و «النُّخبوي» الوجيه الذي بنى «صروح» الأثر في ميادين «التأثير»، وحصد «طموح» الاقتدار في عناوين «التقدير».
إنه الشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم الدامغ رحمه الله أحد رواد الشعر والأدب والتربية في الوطن..
بوجه «قصيمي» مسكون بالألفة والتآلف وملامح «نجدية» ندية تتجلى فيها سمات «السمت» وصفات «الإنصات» وتقاسيم شكلية تتشابه مع والده وأعمامه وتتقاطع مع والدته وأخواله وعينين تنضخان بنظرات «التروي» ولمحات «الرقي» وشخصية رزينة القول مكينة اللفظ شيقة الحديث عميقة التخاطب قوامها طيب المعشر وجميل الشعور ومقامها فضل التعامل ونبل الوصال وأناقة وطنية تعتمر «الزهاء» تتكامل على حضور أنيق وتواجد متأنق ووجود متألق مشفوع باللين ومسجوع باللطف وصوت «قصيمي» مسكون بلهجة «عنيزة» جلية في مجالس الأسرة ومواطن العائلة و « لغة» فصيحة» متجلية في منصات الشعر ومواقع الأدب وعبارات تنطلق من «مقامات» ثقافية وتتربع على «مقومات» تربوية وتنتهي في «استقامات» أدبية قضى الدامغ من عمره عقوداً وهو يغوص في «بحور» الشعر بمهارة عالية منطلقاً من «مراسي» التمكن» وماضياً إلى «مرافئ» التمكين وثاوياً في أهل «التعليم» وراضياً من أصل «اليقين» معلماً وتربوياً وشاعراً وأديباً سطع نجمه في سماء «الإنجاز» ولمع بريقه في أفق «الاعتزاز».
في «عنيزة» الباذخة بتخريج الشعراء والسفراء ولد عام 1357 وسط أسرة مكتظة بالنابغين وعائلة ممتلئة بالنابهين وتربى في كنف أسرته التي ملأت قلبه وغمرت داخله بموجبات «التراحم» وعزائم «التلاحم» فنمت في أعماقه «معاني» الانتماء وتنامت في آفاقه «معالم» النماء فانخطف إلى أصول الصيت وفصول السمعة التي غمرت وجدانه في حكايات «المبدعين» من عشيرته فظل يمطر مساءات والدته بأسئلة الفضول الأولى عن الحلول المثلى لصياغة «ملحمة» خاصة بأمنياته التي سكبها «حبراً» على كشكوله «الملون» المخفي بين كراسات الدروس وكسبها «جبراً» في ميوله «المعلن» أمام جلسات العائلة.
ركض طفلاً مع أقرانه بين «كتاتيب» بلدته التي شكلت له أولى «خرائط» التعلم وأنصت لأصوات «الفلاح» في مسجد قريته والتي عطرت أسماعه بألحان «روحانية «تسربت إلى عمق فؤاده وترسخت في أفق مراده فنشأ مخطوفاً إلى «تربية إيمانية» رسمت له «حقائق» الالتزام وأوجدت أمامه «طرائق» الإلهام.
اقتنص الدامغ من سحن «الطيبين» العابرين على عتبات «السفر» في طرقات عنيزة ومضات «الرضا» التي حولها إلى خلطة سرية شكل بها هويته الأولى المسجوعة برياحين «البساطة» والمشفوعة بمضامين «القناعة» فتحول سر «الموهبة» إلى جهر «الهبة» التي اعتلت «منابر» الشعر واجتازت «معابر» الشعور في «مشروع» أدبي زاهر بالإبداع تحول إلى «ينبوع» شعري باهر بالإمتاع.
تعتقت نفسه صغيراً بأنفاس «الطبيعة» وسط حقول محافظته وتشربت روحه نفائس «الطباع» بين محافل قبيلته وكبر وفي داخله «إرثٌ» من النصائح الأسرية التي أصبحت «ميراثاً» من اللوائح التربوية وزعها لاحقاً ببذخ في ثنايا «التوجيه» وعطايا «الوجاهة».
التحق بالتعليم العام حيث درس في المدرسة العزيزية ثم المدرسة الفيصلية وبعد إكمال الصف الخامس انتقل إلى الرياض للالتحاق بالمعهد العلمي في الرياض وبعد مكوثه أشهر عاد إلى عنيزة بعد افتتاح المعهد العلمي فيها وأكمل دراسته فيها ثم التحق بكلية اللغة العربية ونال شهادتها عام 1380 ثم تم تعيينه مدرساً بمعهد الأحساء العلمي لعامين ثم انتقل للتدريس بمعهد عنيزة العلمي.
في عام 1384 عاد إلى الرياض والتحق بمعهد الإدارة العامة ونال دبلوماً في علم المكتبات ثم عاد معلماً في عنيزة حيث عمل عام 1404 مديراً لمدرسة عبد الرحمن الغافقي (الابتدائية)، ثم موجهاً في قسم توجيه الطلاب وإرشادهم في إدارة التعليم وفي شهر صفر عام 1409هـ اختار «التقاعد المبكر».
مضى الدامغ ينتهل من «ينابيع» العلوم أمام شيوخ الدين وعلماء اللغة وأدباء المرحلة مولياً قبلة «أحلامه» شطر المعارف مغترفاً من معين «المشارف» حتى وزع تباشير «الضياء» شعراً ونثر تعابير «الإمضاء» شعوراً ضمن «سيرة» مضيئة أضاءت مسارات «الشعر» بقناديل المعرفة وأنارت مدارات «الأدب «بمشاعل الثقافة.
امتهن الكتابة «المبكرة» وهو طالب بالمعهد العلمي بعنيزة حيث نشر مقالاً عام 1375 في صحيفة «البلاد السعودية» بعنوان» من حياة العباقرة» استعرض فيه مراحل حياة وتطور الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي.
أصدر عدة دواوين ومنها شرارة الثأر وظلال البيادر و»أسرار وأسوار» وكتاب: الميسر في قواعد الإملاء، وعلامات الترقيم وعدد من المؤلفات توفي وهي تحت الإعداد والطباعة.
وقد اختيرت قصيدته الشهيرة «أماه ليتك تسمعين» ضمن مناهج التعليم نظراً لقوتها البلاغية واتجاهاتها اللفظية ومعانيها الشعرية.
تم استعراض مختارات من شعره في كتاب (شعراء نجد المعاصرون) ترجم عنه الأستاذ حمد سعيد بن سلم في (موسوعة الأدباء والكتّاب السعوديين خلال ستين عاماً).
اختار له الدكتور عبدالله المعيقل في المجلد الثاني (الشعر) الصادر ضمن (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث.. نصوص مختارة ودراسات) واعتبره من شعراء (التجديد).
تم تكريمه في مركز صالح بن صالح الاجتماعي بعنيزة في شهر صفر عام 1427 بوصفه رائداً من رواد الشعر بإقامة ندوة حول شعره ومسيرته وإنتاجه .
في عام 1427 داهمته الجلطة وقد أثرت لاحقاً على بصره وأنهكته «الأوجاع» في جلطات متعاقبة تعرض بعدها إلى «غيبوبة» وأمضى أشهر طويلة في أحد مستشفيات عنيزة حتى وافته «المنية» يوم 20 صفر عام 1435هـ
وتناقلت الأوساط الأدبية والتربوية «النبأ «واصفة الراحل برائد من رواد التربية والشعر واكتظت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بالخبر وعبرت «عبارات «التعازي والمواساة آفاق الوطن حاملة في طياتها «الحزن» و»النعي».
إبراهيم الدامغ.. الشاعر النابغ والأديب النابغة والتربوي الفاضل والمثقف الفضيل صاحب «الإضاءات» العملية والإمضاءات» الأدبية و»الاستثناءات» الشعرية في معالم «الثقافة» وعوالم «المعرفة».