عبدالله إبراهيم الكعيد
قيل بأن تقييم أفكار المرء أخف ثقلاً من الحكم على سلوكياته. هكذا ستكون فاتحة حكاية اليوم.
إن معظم الناس يحكمون على المرء من كلامه. البعض يحكم عليه من مظهره وينسون أن المظاهر خدّاعة حسب قول الشاعر إيليا أبو ماضي:
أَنا لا تَغُشُّنِيَ الطَيالِسُ وَالحُلى
كَم في الطَيالِسِ مِن سَقيمٍ أَجرَبِ
والكلام يُعبّر عن الأفكار وبالتالي يمكن بسهولة معرفة قدر ومكانة وعقل المتحدّث. ها هم رواد منصات الحوار في الشبكة العنكبوتية يرددون مقولة سقراط «تكلّم حتى أراك». ليس رؤية العين للمتكلّم، إنما الحكم على أفكاره. كل هذا لا أراه مستغرباً لكن المستغرب هو: أن يعطي المرء لنفسهِ حقاً ما وفي ذات الوقت يمنعه عن الآخرين.
كأن يطلب من غيره التحدّث بهدوء وفي ذات الوقت يرفع عقيرته بالصراخ. أو يطالب عامة الناس الالتزام بالقوانين ويسمح لنفسه مخالفتها. وهكذا من أمثلة.
ضرب لنا الأستاذ الدكتور محمد الخشت أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب بجامعة القاهرة في كتابه» أخلاق التقدّم، رؤية فلسفيّة تطبيقيّة» أمثله أُخرى عن تسويغ الفرد لنفسه فعلاً بينما يحرّمه على سائر الناس كأن تُبيح الإرادة لنفسها الغش وتجرّمه على الآخرين أو أن تبرر لنفسها الإهمال في وقت تنقده في الآخرين ومثل ذلك قبول الرشوة أو تبرير الفوضى مع أنها (أي الإرادة) تنتقد اللانظام عند بقيّة أفراد المجتمع وقس على ذلك كثيراً من التناقضات وعدم الاتساق.
هل هذا يعني بأننا نعيش زمن التناقضات أو الازدواجيّة (Duble Standard) أعني سيادة نظرية «الكيل بمكيالين» مكيال خاص يرجح نحو الذات وما تهتوي ومكيال ثانٍ للآخرين يحوي ذات البضاعة، ولكنها في تطفيف وإجحاف في المنع والتحريم.
الاتساق الذي أشار له الدكتور الخشت يعني عدم التناقض. ويكثر في حياتنا المعاصرة عدم الاتساق سواء على مستوى الأفراد أو سياسات بعض الدول التي تُصدِر بيانات شجب واستنكار لأفعال غيرها بينما تقوم هي بكل صفاقة بارتكاب ذات الأفعال، بل ربما أشدّ وأنكى! أما عن «الإرادة المتناقضة» فحدث ولا حرج وهو ما أشار إليه كاتب هذه السطور في فاتحة المقال. ولو «هذه اللّو لن تفتح عمل الشيطان» بل للتأكيد. أقول لو فتّش كل منّا في عيوبهِ بكل شفافية وصدق مع النفس لوجد أنه بحاجة ملحّة إلى الاتساق حتى يكون بينه وبين تناقض إرادته بُعد المشرقين.
في الخاتمة أُنهي حديثي هذا كما بدأته في الفاتحة فأقول إذا كان تقييم أفكار المرء أخف ثقلاً من تقييم سلوكياته فكيف سيكون ثُقل عدم اتساقه وحجم تناقض إرادته؟
نقول في المحكي المحلّي «كلّن بعقله راضي» نقطة آخر السطر.