سلمان بن أحمد العيد
في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التغييرات العالمية، تقف المملكة العربية السعودية على أعتاب تحول تاريخي، محاولةً جسر الهوة بين الأصالة والمعاصرة. هذه المحاولة ليست سوى تجسيدٍ لحقيقة أن الثقافة هي السياق الذي من خلاله تستمد الأمم قوتها وتفردَها.
بدايةً، لا يمكن الحديث عن الثقافة في المملكة دون الإشارة إلى رؤية 2030، تلك الخارطة الطموحة التي لا تضع الاقتصاد والتنمية المستدامة فحسب في مرمى أهدافها، بل تمتد لتشمل الثقافة والفن والإبداع كركائز أساسية للهوية الوطنية.
يُطرح السؤال إذًا: كيف يمكن للثقافة بالمملكة العربية السعودية أن تلعب دورها كجسر بين الماضي العريق والمستقبل المنشود؟
أولاً، يتجلى دور الثقافة في تعزيز الهوية الوطنية، حيث تسهم المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي وترقيته في تعميق الانتماء الوطني وتعزيز الوحدة الاجتماعية. وقد شهدت المملكة في الآونة الأخيرة تناميًا في المشاريع الثقافية المختلفة، والتي تعد تظاهرات تحتفي بالثقافة السعودية وتاريخها.
ثانياً، تمتد أهمية الثقافة إلى دورها كعامل محفز للابتكار والإبداع. فمن خلال دعم الفنون والآداب، تفتح المملكة الباب أمام مواهبها الشابة للإسهام في صناعة محتوى ثقافي يواكب الحداثة ويحتفظ في الآن ذاته بالخصائص الوطنية.
ثالثاً، تأتي الثقافة كوسيلة للحوار والتفاهم بين الشعوب، ففي ظل سياسات الانفتاح التي تنتهجها المملكة، تبرز الفعاليات الثقافية كمنصات للتبادل الثقافي والفهم المتبادل، وهو ما يعزز من مكانة المملكة كلاعب رئيسي على الساحة الدولية.
رابعاً، تعد الثقافة أداة للتنمية الاقتصادية، حيث تسهم المشاريع الثقافية في تنمية السياحة وتوفير فرص العمل، وهو ما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 لتنويع مصادر الدخل الوطني بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط.
ولا يخفى على أحد ما تمثله الثقافة من دور محوري في التنمية البشرية، إذ تمكّن المواطن من تطوير مهاراته الفكرية والإبداعية وتنمية قدراته على التفكير النقدي، مما يجعله عنصرًا فاعلًا في مجتمعه.
إن التحدي الأكبر يكمن في كيفية موازنة المملكة بين الحفاظ على تراثها الغني والتفتح على العالم الخارجي، وهذا يتطلب إستراتيجية ثقافية متكاملة تحترم القيم الأصيلة وتعزز الابتكار والتجديد.
في هذا السياق، يجدر بنا أن نشير إلى الدور المتنامي للمؤسسات الثقافية، مثل وزارة الثقافة ومؤسساتها وغيرها من الهيئات التي تعمل على تنفيذ مشاريع ثقافية طموحة ورفع مستوى الوعي الثقافي والفني في المجتمع.
مما لا شك فيه، أن الجهود المبذولة لتعزيز الثقافة تُعد خطوة إيجابية نحو بناء مجتمع معرفي متكامل، يحترم تراثه وينظر بثقة نحو مستقبل مشرق. يجب أن يكون هذا النهج متوازنًا وشاملًا، يضمن إشراك جميع شرائح المجتمع في صناعة القرار الثقافي ويحتفي بالتنوع والتعددية.
الاستثمار في الثقافة هو استثمار في الروح الإنسانية للشعب السعودي. إنها دعوة لكل من يحمل همّ الثقافة والفكر أن يساهم بإبداعاته في رسم ملامح مستقبل المملكة، وأن يكون جزءًا من حوار مستمر ينير طريق التطور والتقدم، مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي يجعل من المملكة العربية السعودية، بثقافتها وتاريخها، واحة غنية بالتقاليد ومفعمة بالأمل نحو مستقبل مزدهر بإذنه تعالى.