خالد بن عبدالرحمن الذييب
يوسف عليه السلام، أوتزون، هيلين كيلر، (دون مقارنة) أسماء شهد التاريخ بعظمتها وتأثيرها، يوسف عليه السلام الذي قال الله سبحانه وتعالى عن قصته {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} وتقلباتها بالانتقال من مرحلة الأسير إلى صفة الوزير. أوتزون معماري دانماركي لا يزال خيره على اقتصاد أستراليا قائماً حتى الآن على الرغم من وفاته منذ أكثر من عقد بسبب تصميمه مبنى الأوبرا هاوس في سيدني. هيلين كيلر، والتي تخرجت من كلية «رادكليف» في تخصص الفنون، مع أنها تفتقد أهم ثلاث حواس للإنسان، الكلام والسمع والبصر. لكل منهم أشخاص محيطون بهم أثروا على حياتهم بقصد أو غير قصد. أشخاص أتوا من الظل ليصنعوا لنا هؤلاء العظماء إما بقرار واحد أو من خلال مسيرة كاملة كانت في الظل. فيوسف عليه السلام كان من الممكن أن يُنسى لو نفذ إخوته رأيهم الأول {اقْتُلُواْ يُوسُفَ}، إلا أن قائلاً منهم عارضهم وقال: {قَالَ قَائِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}، وكان هذا أحنّهم على يوسف, فلولاه بعد إرادة الله سبحانه وتعالى انتهت قصة يوسف كطفل مُلقى في جُب وربما يجده بعض علماء الأنثروبولوجيا ليستشهدوا بجثته على أنه كانت هناك حياة في ذلك الجزء من العالم. أما أوتزون المعماري الدانماركي، فحين قررت الحكومة الأسترالية البدء بالعمل على مشروع سيدني أوبرا هاوس أعلنت عن مسابقة معمارية بهذا الشأن، فأرسل مجموعة من المعماريين رسوماتهم وتصاميمهم ومن ضمنهم أوتزون، إلا أنه لم يهتم بطريقة التسليم وإظهار عمله، فأرسل سكتشات وكروكيات بسيطة، فلم يُلتفت إلى أعماله واستُبعدَ من المسابقة، وبعد ذلك صادف وجود معماري أمريكي شهير في عالم العمارة اسمه «إيرو سارينين» والملقب بـ»معماري القرن» كان من ضمن المدعوين للجنة التحكيم إلا أنه ولأمر ما تأخر عن الحضور، وبفضول المعماري لديه أحب أن يرى كافة المشاريع التي دخلت المسابقة، فسقطت عينه على تصاميم «أوتزون»، فكان كمن دخل إلى محل بيع خردوات ووقع على تحفة أثرية تحتاج فقط شيئاً من التنظيف، وبسرعة خاطب اللجنة لإعادة النظر في التقييم وبعد أن أزال عن عقولهم فكرة الاهتمام بالألوان وعدمها، أحسوا بفداحة الخطأ الذي ارتكبوه بحق الفن والجمال. فظهرت هذه الأيقونة العملاقة التي أصبحت رمزاً لأستراليا كلها وليس سيدني فقط.
أما هيلين كيلر تلك العبقرية التي تحدت الظروف، وعاشت حياة نستطيع أن نقول عنها طبيعية رغم ظروف إعاقتها السمعية والبصرية، إلا أنه لا يمكن أن ننسى أن هناك شخصية عبقرية ساعدتها والتفتت لها، وأخذت على نفسها عهداً أن تُدخِلُها معترك الحياة كإنسانة من حقها أن تعيش كبقية البشر تلك هي المعجزة الأخرى «آن سوليفان»، والتي نذرت نفسها لتقدم للبشرية هذه المعجزة، فكانت «آن سوليفان» هي المعجزة التي صنعت المعجزة.
أخيراً... هناك شخصيات وبقرارات معينة، ربما دون قصد مثل قائل يوسف، أو عن إدراك وحس خبير مثل «سارينين»، أو عن تحدٍّ مثل «آن سوليفان» ساهمت في تغيير مسار حياة شخصيات أخرى ليكونوا نجوماً للبشرية.
ما بعد أخيراً... قائل يوسف، سارينين، آن سوليفان... كانوا هم من صنع العظماء... ولكن من الظل.