د. إبراهيم بن جلال فضلون
هذه الذكرى: تطل على وطننا السعودي اليوم، وهي في أوج رؤيتها الحالمة وازدهارها وترابطها ووحدتها، بينما تموج دول محيطة بنا في صراعات من الحروب والمجاعات والجهل والتخلف والتشرذم وصراعات الكراهية، والعنصرية التي تحمل في داخلها بذور الفناء، لكننا وقد منَّ الله علينا، كل لحظاتنا فاصلة فهي لحظة تاريخية تعارف عليها المؤرخون وتجاذب التاريخ حولها أسطره، منذ بداية المشروع السعودي وتوحيد وطن، تم لملمة شتاته، حول هدف وراية واحدة، مصداقاً لقول شاعرنا مصطفى صادق الرافعي:
بلادي هواها في لساني وفي دمي
يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خيرَ فيمن لا يحبُّ بلادَهُ
ولا في حليفِ الحب إن لم يتيم
على مدى ثلاثة قرون: إنها الاستراتيجيات الحكيمة لبلادنا التي حملت خططاً ومشروعات عملاقة تراهن في جزئياتها وتفاصيلها، ركيزتها المواطن كصلب للتنمية الشاملة، التي بدأت مع البُناة من آل سعود، على مدى ثلاثة قرون نقشت ملامح عزنا وفخرنا، منذ لحظة حطّ أجدادنا رحالهم من سياسات الغنيمة إلى التفكير في الاستقرار، حول الإمام محمد بن سعود وقيام الدولة السعودية الأولى في منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م... عاملاً وأبناؤه الكرام بالرفع من القدرات الذاتية بما يضمن الصدارة والريادة على مستوى العالم، وتحقيق مآلات تحول اقتصاد الحاضرة القائم على الزراعة والتجارة والقوافل المحمية بالسلطة الجديدة كتجربة جديرة بالانضمام إليها في سلطة مركزية تنطلق من الدرعية.. إلى التنوع الاقتصادي والانفتاح العالمي ومشاركة العالم المتقدم دون المساس بمبادئ وثوابت الدولة السعودية، بدأها ولي العهد -حفظه الله- مُمسكاً بجمر قضايا التحديث والتطوير والإصلاح التي قلمت أظافر الفاسدين والمُتشددين من المتطرفين، ودحرت الإرهاب خارج حدودنا ومنطقتنا بعد حرب الخليج وثمانينيات القرن مع تضخم جماعات الإسلام السياسي وحتى «القاعدة» وأخواتها، وطوفان الأقصى، ونصرة أهل غزة والتأكيد على موقف المملكة الثابت بالاعتراف بدولة فلسطين.. والوقوف مع دولنا العربية المترهلة (اليمن ولبنان وليبيا والسودان والعراق وسوريا)، فما يرفع الأوطانَ إلا رجالها وهل يترقى الناسُ إلا بسلم.. (الرافعي)..
حكاية المملكة: كُتبت بعظمة، وسطّر التاريخ قصةً واقعية تُروى كإحدى أهم أدوات بناء الهوية الوطنية، لرجال يمتلكون إيماناً وعزيمة وجلَداً وحنكة وحكمة حتى صارت مركزاً عالمياً وإقليمياً بنهضتها، وبما يملك السعوديون من علم وانتماء وعمل دؤوب، كما فعل آباؤهم وأجدادهم، حتى يقدموا إبداعاتهم التي شرفت المحافل والمؤشرات الدولية، ويستشرفون به المستقبل المشرق، فنرجو من الله أن تدوم علينا وعلى ذرياتنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لتصبح أرضاً خصبة لاستضافة قمم الكبار والعالم في الرياض وجدة وغيرهما ساعياً لطموحاتنا التي تبلغ العنان. ولنفتخر بوطننا كما في كلمات الشاعر عبد المحسن الكاظمي:
ومن لم تكنْ أوطانهُ مفخراً لهُ
فليس له في موطنِ المجدِ مفخرُ
ومن لم يبنْ في قومهِ ناصحا لهم
فما هو إِلا خائنٌ يتسترُ
وَمن كانَ في أوطانهِ حاميا لها
فذكراهُ مسكٌ في الأنامِ وعنبرُ
ومن لم يكنْ من دونِ أوطانهِ حمى
فذاك جبانٌ بل أَخَسُّ وأحقرُ
يوم التأسيس: يجعلنا ندرك مكانتنا في تاريخ المنطقة والعالم، وأصالتنا التي ورثناها من الأجداد، للتعامل مع الواقع وبناء المستقبل، ولنؤكد أن السعودية دولةٌ قائدة ورائدة إقليمياً، ومؤثرةٌ بشكل بالغٍ دولياً، كما أنه هو يوم عظيم للسعوديين يفتخرون فيه بأمجاد وطنهم العظيم ويُظهرون ثقافتهم وهويتهم الأصيلة للعالم عبر عمق تاريخي وقيم وطنية راسخة، وتاريخ حُفر بقُلوبنا حُبًا ووفاءً، وهو مشروع وطني طموح يعيد ربط الناس بجذورهم الوطنية، ويُلهم خيالهم عبر رحلة تاريخية تعكس مزيجاً من الثقافة المشتركة ولُحمة وطنية لشعب يمتلك العزم ذاته وعمق الانتماء، لنرى كيف شكّل التأسيس نقطة تحول كبرى في تاريخ الجزيرة العربية، حيث تجذّرت دولة تُرسي دعائم متينة ومبادئ عظيمة راسخة ورؤية واضحة تحت قيادة رائدة حكيمة.