د.عيد بن حجيج الفايدي
#يوم _التأسيس... له بُعْدٌ تاريخي تجاوز الثلاثة قرون.. ومن خلال «البعد التاريخي» يتم فهم وإدراك الجهود التي بذلت لتحقيق الأهداف.. ويقصد بالبعد التاريخي الرؤية التحليلية للأحداث مع إدراك التطور عبر عقود طويلة من الزمن وفهم السياق التاريخي والذي يساعد - بعون الله تعالى - على المحافظة على مكتسبات الوطن.. وتسليط الضوء أكثر على البناء التكاملي للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع إدراك جيل الشباب أكثر من غيره على التفكير السليم للماضي وفهم المتغيرات وتأثيرها على جوانب الحياة.. والمتصفح للمصادر العلمية.. يقف مندهشاً للبعد التاريخي.. فقد أوردت مجلة متخصصة في التراث أن هناك اكتشافات لمناطق أثرية في المملكة تجاوزت الأربعة آلاف سنة.. وإذا كانت بعض الدول تفتخر أن لها بعداً زمنياً تجاوز المائتي سنة.. ماذا أقول عن هذا الوطن.. الذي تجاوز البعد التاريخي له آلاف السنين.. وهناك مواقع كثيرة هي شواهد حقيقية للبعد التاريخي والتي مثلت جوانب الحياة المتنوعة.. من تمويل في الغذاء إلى تدريب عسكري إلى جانب اقتصادي وغيره من مجالات الحياة.. وعلى سبيل المثال وليس الحصر بالمدينة المنورة.. مواقع ليس لها مثيل.. ومن ذلك: «العطن» و يمثل بلغة العصر الدعم اللوجستي.. ففيه كان مصدر الماء والغذاء للإنسان والحيوان.. وبجواره كان هناك ميدان التدريب والذي كان يسمى «السبق» والذي أقيم في وسطه مسجد السبق.. وعلى بعد خطوات منه هناك «سقيفة بني ساعدة» والتى عقد فيها أول لقاء ومجلس «شورى» لمبايعة أول خليفة في الإسلام.. أما الموقع الرابع فهو «المناخة» والذي اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون أول سوق في الإسلام..
وعند تتبع معلومات أكثر عن ذلك السوق.. لابد من تصفح المصادر والمراجع المختلفة وكذلك محركات البحث المعلوماتية.. والتي تقدم معلومات قليلة في هذا المجال.. حيث الاهتمام أكثر بجانب العبادات، وبالرغم من قلة المعلومات إلا أنها غير دقيقة.. فهناك من يقول إن أقدم سوق في الإسلام هو سوق «خان الخليلي.. في القاهرة» والذي تجاوز البعد الزمني له 600 سنة.. وغاب عنهم سوق «المناخة».. الذي تصفه محركات الذكاء الاصطناعي بأنه «مصطلح يُستخدم لوصف السوق الاقتصادية والمالية المتعلقة بالتكنولوجيا والحلول المرتبطة بمكافحة تغير المناخ والتكيف معه, يهدف هذا السوق إلى تعزيز الابتكار والاستثمار في مشاريع وتقنيات تساهم في تقليل انبعاثات الكربون والتخفيف من تأثيرات تغير المناخ» - وهذا خطأ كبير يحتاج إلى تدخل من المراكز العلمية المتخصصة - لتعديل المعلومات الصحيحة من خلال كتابة أبحاث بلغات مختلفة بالمجال.. لأن تقديم المعلومات الصحيحة وتثبيتها في شبكة المعلومات هو الطريق الوحيد والسريع.. لتأكيد أن أول سوق في الإسلام هو سوق «المناخة».. فقد ورد في مصادر السنة والسيرة النبوية.. أن الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه..عندما قدم المدينة.. قال: هل من سوق فيه تجارة؟ فقيل له: سوق «قينقاع». وورد أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى سوق «النبيط» فنظر إليه، فقال: «ليس هذا لكم بسوق»، ثم ذهب إلى سوق فنظر إليه، فقال: «ليس هذا لكم بسوق»، ثم رجع إلى هذا السوق، فطاف فيه، ثم قال: «هذا سوقكم، فلا ينتقصن ولا يضربن عليه خراج». وفي كتاب ابن شبه المتوفى عام 262 من الهجرة.. ورد نص آخر عن سوق المناخة:
(حدثنا إبراهيم بن المنذر قال، حدثنا إسحاق بن جعفر ابن محمد قال، حدثنا عبد الله بن جعفر بن المسور، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل للمدينة سوقاً أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال: «هذا سوقكم، فلا يُضيق، ولا يؤخذ فيه خراج»).
وورد في كتاب السمهودي: لما أراد رسول الله أن يجعل للمدينة سوقاً، أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله، وقال: «هذا سوقكم، فلا يضيق، ولا يؤخذن فيه خراج.
وأيضاً ورد أن السوق يمتد من المصلى (ويقصد به مسجد الغمامة) إلى حرار سعد بن عبادة بالقرب من ثنية الوداع - والتي أزيلت لوجود ملتقى طرق سريعة - والاختلاف بين نصوص الرواية لاينفي بل يؤكد نشأة وتأسيس سوق المناخة.. ويثبت أن الذي أمر ببناء ونقل السوق إلى المكان الجديد هو: الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. وتشير بعض المصادر أنه كان في المدينة المنورة عدة أسواق متناثرة يقع بعضها بعيداً عن المركز الحالي للمدينة المنورة. وارتبطت تلك الأسواق بالقبائل أو التجمعات السكانية المجاورة لها ومن تلك الأسواق سوق «بني قينقاع» وسوق «زبالة» وسوق «العصبة» وسوق «بنى الخيل» وسوق «بقيع الزبير». وقد استخدم المسلمون هذه الأسواق وخاصة سوق «بني قينقاع» والاسم القديم لسوق المناخة هو سوق «البطحاء» نسبة لنوع التربة التي عليها السوق.. أما المناخة فهو اسم مكان الإبل أو ما يسمى حديثاً بالمحطة.
وكما يدرك- القارئ الكريم - أنه لاتوجد محطة بدون مكان سوق للبيع والشراء.. وكان سوق المناخة مكشوفاً وليس فيه بنيان والعمل يبدأ بعد صلاة الفجر إلى قبل صلاة المغرب.. وقد تم البناء في هذا السوق لأول مرة في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.. وكان يمثل عصب الحياة الاقتصادية والمالية والاجتماعية ..وتفرعت عنه أسواق تخصصية مثل: «الخان» لبيع اللحوم والخضار والفواكه و»الحبابة» لبيع أنواع الحبوب مثل القمح والذرة و»العياشة» لبيع الخبز والزيتون والجبن.. و»التمارة» لبيع انواع التمور.. و»القماشة» لبيع انواع القماش و»القفاصة» لبيع الأقفاص وأدوات الخياطة و»العباءة» و سوق «الغنم» وسوق «الحطب»وسوق «البرسيم» وسوق «السمك».وبعد مشاريع التوسعة للحرم النبوي وهي التوسعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة.. والتي دخلت فيها كل الأحياء وتغيرت ملامح «سوق المناخة» وانتقلت كثير من الأسواق إلى مناطق أخرى في أطراف المدينة ومع ذلك تمت محاولات من أجل إحياء سوق «المناخة» إلا أن تلك المحاولات تعثرت وتم تهيئة مكان «سوق المناخة» كساحة خارجية غربية للحرم النبوي يستفاد منها للصلاة وخلال شهر رمضان وأيام الحج.. ومع ذلك يمكن إعادة إحياء سوق «المناخة» إلى العمل بدون أي تكاليف مادية.. وإعادته مكشوفاً كما كان بعد السماح للباعة في الساحة التي تقع فوق نفق المناخة في ساعات محددة وهي ساعة بعد صلاة الفجر وساعتين بعد صلاة العصر وتظهر عليه السمات التي وردت في الحديث المشار إليه... وحالياً الأسواق المؤقتة والمكشوفة منتشرة في كثير من دول العالم.. ومع هذه وتلك لعل وعسى أن يفتح سوق «المناخة» من جديد.. فهو أول سوق في تاريخ الإسلام أمر به الرسول صلي الله عليه وسلم..