د. سامي بن عبدالله الدبيخي
ركز مقالي السابق بعنوان «تأسيس الدولة السعودية: صُناع القادة والتنمية والمستقبل» على ثلاثة محاور مفصلية بمناسبة يوم التأسيس الأول الذي يتبوأ مكانة خاصة في قلوبنا. فقد صاحبت هذا التأسيس الذي كان قبل 300 سنة تباشير عهد جديد للجزيرة العربية تكتنفه رحمة الله إذ قيَّد لها ملوكاً وقادة أفذاذاً حريصين على تحقيق الوحدة الوطنية والنهضة العمرانية وحياة الرفاهية. تجدر الإشارة أن الجزيرة العربية كانت غارقة في الفوضى وعدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في الفترة السابقة لتأسيس الدولة السعودية التي لها يرجع الفضل في فض النزاعات وإنهاء الحروب والاعتداءات والقضاء على حملات الغزو والنهب والسلب.
يأتي مقالي لهذا اليوم ليلقي الضوء على «الجهود الإنسانية» التي تقودها المملكة على المستوى الإقليمي والدولي. ويشهد التاريخ على المواقف الإنسانية للدولة السعودية ولحكامها. ففي عهد الدولة السعودية المعاصرة على سبيل المثال لا الحصر، قام مؤسسها الملك عبد العزيز -عليه رحمة الله- بالوقوف مع الإدريسي ومساعدته حين كان في مأزق بين مطرقة الحسين بن علي بالحجاز وسندان الإمام يحيى باليمن. للإشارة فإن ثلاثتهم من الأشراف وبالتالي فمن المفترض أن يحرصوا على حقن دماء المسلمين، إلا أن حب السلطة وشهوة التسلط أعمت بصائرهم. وقد انضم الإدريسي لاحقاً تحت لواء الملك عبدالعزيز في جهوده الحثيثة لاستتباب الأمن والاستقرار ومسيرته الشاقة لتوحيد البلاد، تقديراً للمصلحة وتحقيقاً للوحدة. وبقي هذا العمل الإنساني ديدن أبناء المؤسس من الملوك بعده، فقد دعم الملك فيصل -رحمه الله- المسلمين في أستراليا بمشاريع تنموية تدر عليهم المال كجالية إسلامية وأثرها يجري إلى اليوم بشكل مستدام، وقد أشرت لهذا في مقالي الموسوم «المسلمون في أستراليا» المنشور عام (1426هـ - 2005م).
وعلى نهج الملك المؤسس وأئمة الدولة السعودية وملوكها، نجح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه لله - في صناعة القادة وصياغة المستقبل وتحقيق التنمية. وبذات روح الإصرار والعزيمة التي لا تلين، يستمر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه لله- في الذهاب بعيداً بهذا النجاح في ظل وضوح الرؤية لرسم المستقبل الزاهر وتحقيق إنجازات واعدة بثبات وثقة للارتقاء بالوطن والمواطن رغم كل التحديات الإقليمية والدولية. أما في مجال العمل الخيري الإنساني فيكفي أن نذكر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي هو امتداد لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وأمد في حياته وأدام عزه - للأعمال الإنسانية، وموقع المركز على الإنترنت غني بمثل هذه لجهود ومتاح للجميع الاطلاع عليها.
وللإشارة فإن هذه الجهود والأعمال الخيرية ليست وليدة توليه الملك بل هي ديدنه منذ كان أميراً لمنطقة الرياض -التي حقق لها ازدهارها وقاد تطويرها ونهض بعمرانها وتقدمها وريادتها عالمياً. فقد تأسست تحت رئاسته «لجنة العناية بالإخوة الوافدين من الكويت» خلال حرب الخليج. وقد كان لي شرف التطوع في فريق عمل اللجنة خلال هذه الحرب والتعاون بالمساهمة بإدخال بيانات العوائل الكويتية الذين استضافتهم السعودية ووفرت لهم السكن في العديد من مناطق المملكة بنظام الحاسب الآلي وربط أفراد العوائل والأقارب مع بعضهم تخفيفاً لمعاناتهم.
كما سجل التاريخ لملك الإنسانية وأميرها، الملك سلمان بن عبدالعزيز، موقفه الإنساني والإغاثي في أحداث الاعتداء و»التطهير العرقي» ضد المسلمين في البوسنة حيث كان الساعد الأيمن للملك فهد -تغمده الله بواسع رحمته- بالعديد من الجوانب ومنها الجهود الإنسانية والإغاثية. وهنا أكتفي بتوضيح ما ذكره الرئيس السابق بيل كلينتون -الذي عاصر تلك الفترة- في كتابه «حياتي: سيرة بيل كلينتون» عن دور السعودية الريادي على المستوى السياسي والإنساني لإيقاف الاعتداء ورفع الظلم وتحقيق الاستقرار للبوسنة وتخفيف وطأة الطغيان الصربي والمأساة الإنسانية.
يقول كلينتون إنه بعد زيارته للكويت لمقابلة أميرها -رحمه الله- ولتقديم الشكر لجيشه على إجبار القوات العراقية على الانسحاب، زار السعودية وقابل الملك فهد بداية عام 1993م والذي فاجئه -كما يقول- وطلب منه إيقاف «التطهير العرقي» Ethnic Cleansing في البوسنة للمسلمين ثم وضح جهوده في هذا الجانب في ثنايا مذكراته والتي كان للسعودية والملك سلمان الدور الريادي، ولا أدل على أثر جهوده من الاستقبال الحافل الذي حظي به سموه عند زيارته للبوسنة لافتتاح مشروعات تنموية وصحية وتعليمية بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتسّمية العوائل لأبنائها والمدن لشوارعها باسم «سلمان» ملك الإنسانية وأميرها.
حفظ الله مملكتنا الغالية وأمد المولى بعونه ورعايته قيادتنا ومكنهم ونصرهم وأعزهم وزادهم شرفاً.