د. محمد بن إبراهيم الملحم
المساجد كثيرة في مملكتنا الغالية ولله الحمد، ومن ضمنها مساجد كثيرة أيضاً تتمتع بأماكن لصلاة النساء أو ما يسمى بـ»مصلى النساء» ويظل هذا المصلى معاقاً عن النشاط طوال السنة باستثناء شهر رمضان الكريم، وفي أحسن الأحوال يُفتح أيضاً في أيام الجمعة ببعض الجوامع الكبيرة، كما أنه أيضاً يُفتح في المساجد الموجودة في أسواق تؤمها النساء وبلا شك فهي أيضاً مفتوحة في محطات البنزين على الطرق... والسؤال هل المرأة يكفيها هذا القدر اليسير جداً جداً من المساجد التي تفتح لها أبوابها للصلوات الخمس طوال العام بينما هي اليوم باتت تتحرك في مصالحها ومصالح أسرتها بكل مكان تقريبا! فهي تتسوق في سوق الخضار واللحوم وتذهب إلى الشوارع التي بها محلات الديكور والبلاط وتتجه بسيارتها أو سائقها لشراء قطع غيار أو تفصيل أو إصلاح نظارة أو مراجعة طبيب... كما أنها كامرأة أعمال تتابع تجارتها ورزقها أو ربما هي موظفة فقد تجد أياً منهما في أي مكان يخطر ببالك، وهذا يعني أنه لابد لها من مكان تؤدي فيه الصلاة إذا ما حل وقتها فلن تستطيع الذهاب لمنزلها كل مرة لأداء الصلاة ثم تعود لمكانها الذي كانت فيه لتستأنف تسوقها أو متابعتها خدمات أو معاملات أو أية مصالح تحتاج المتابعة والتواجد.
في نفس الوقت الذي أبرز فيه هذه الإشكالية فإني أتفهم موقف من يقومون على المساجد التي تأهلت بمصليات نساء فلا يفتحونها إلا في رمضان وتبقى مقفلة طوال السنة فإذا ما احتاجت المرأة إلى الصلاة في ذلك المسجد فوجئت بالباب الخارجي الذي كتبت أعلاه لوحة «مصلى نساء» مقفلاً في وجهها، ذلك أنهم لا يضمنون بكل فريضة أن ستكون هناك امرأة عابرة تتجول قريباً فتؤم المسجد للصلاة، فيكون فتح المكان عرضة لدخول مخربين إلى هذا المكان المغلق المستور تماماً، وقد يكون هؤلاء المخربون أطفالاً وقد يكونوا رجالاً كباراً بل قد يكن نساء شريرات، ومدار الأمر كله يدور حول حالة هذا المكان وطبيعته «المغلقة تماماً» كما تقتضيه حالة الستر التي يتطلبها في العادة مما يجعل ذلك جاذباً جداً للمخربين.
ومن هذا المنطلق فإني أقترح أن تعاد تهيئة هذه المصليات أو أغلبها مما يطبق عليه ما سأقدمه بعد قليل، وهو أن هذه المصليات تكون عادة في الجزء الخلفي من مبنى المسجد أي أن غرفتها التي تضمها والمتكونة من أربعة جدران يكون جدارها الخلفي (عكس القبلة) هو غالباً جدار المسجد الخلفي، والفكرة تدور حول هذا الجدار، حيث أقترح أن تتم إزالته كجدار مصمت من الطابوق، ويوضع بدلاً عنه جدار زجاجي يكشف مصلى النساء من الخلف بالكامل وهو ما سيلغي عنه صفة الكتمان التي تجعله مكاناً مظنة التخريب والتطفل، في حين أن المرأة العابرة تستطيع أن تدخل وتصلي حيث إن وجهها إزاء القبلة هو من الجهة المستورة التي لن يكشفها من خلالها أحد (إذ أمامها ويمينها وشمالها جدران مصمتة) وخلفها هو الجزء المكشوف فقط وهذا لا يؤثر على ستر المرأة خاصة إذا جعل هذا الجدار الخلفي يبدأ من أسفله مصمتاً وإلى ارتفاع متر تقريباً ثم يصبح زجاجياً بعد ذلك. مثل هذه الحالة ستساعد مؤذن المسجد حال إغلاقه وخروج الجميع أن يطمئن بنظرة واحدة فقط أنه لا أحد في المكان فيغلق المسجد كله باطمئنان، كما أنه أثناء وقت الصلاة هناك ضمان أن لا أحد سيعتدي على هذا المكان طالما أن المصلين يتوافدون للمسجد ويشاهدون المكان مكشوفاً أمامهم (سواء وجدت به امرأة تصلي أو لم توجد) فلا سبيل لمخرب أن يختفي بالداخل كما قد يحدث في الحالة التقليدية الحالية، ومن جهة ثالثة فإن المرأة حالما تصل المسجد لأداء الصلاة فإنه يكفيها أن ترى مثل هذا الجدار الزجاجي فتفهم أن هذا المسجد (صديق للمرأة) كما سأطلق عليه فتنزل من سيارتها من فورها وتتجه للمكان لأداء الصلاة خلافاً للواقع الحالي حيث تسأل المصلين هي أو من معها من الرجال «هل هنا مكان لصلاة النساء؟» أو ربما يتم التوجه إلى باب كتب عليه «مصلى النساء» لتجربة هل هو مفتوح أم مغلق.
بالنسبة للوضوء فأقترح أن تكون هناك ميضأة في الجزء المكشوف أيضاً لكن بطريقة حل وسط وهو أن يتم وضع زجاج مرمل يستر من تقوم بالوضوء، كما أنصح أن تزود أبواب حمامات النساء بأزرار حساسة للإقفال فمتى كان الباب مقفلاً تشتعل إضاءة خاصة بالخارج يفهم منها المؤذن حين إقفال المسجد مثلاً أن هناك أحداً داخل دورة المياه، وهذا يشبه ما تراه في باب دورة المياه بالطيارة لتقريب المفهوم بسهولة، وأخيراً فلا بد لكل فكرة من تجربة وتقييم وأتمنى أن تبادر مجموعة من المساجد بتجربة ذلك خاصة تلك التي في أماكن أو أحياء بها أو قريباً منها مصالح وخدمات ومحلات يتوقع ورود النساء إليها من فترة لأخرى ولعلنا نراها انتشرت بكل مكان يوماً ما.