سليمان الجاسر الحربش
في عام 1986 انتقلت إلى منزلي الذي شيدته بقرض مشترك مع زوجتي من البنك العقاري في حي المعذر الشمالي. يجاورني غرباً أسرة الجميح الكريمة.
كان منزلي يطل على ثلاثة شوارع أحدها من الجهة الجنوبية. علمت من أحد الأصدقاء أن جيراني الأعزاء قد استفادوا من رخصة في النظام تبيح لمن يتخلل أملاكه شارع أن يضمه إلى ما يملكه من عقار. كنت حديث عهد بهذه الأمور فصرت أقص سيرة هذا الشارع على بعض الأصدقاء وفي ليلة كنا في ضيافة المرحوم الصديق العزيز عبدالله العقل وكان أبو علي يتصدر المجلس ولحسن الحظ لم تكن صكة البلوت هي الزاد الرئيسي في تلك الليلة، كان معالي الأمين يتحدث بشغف عن ذوي الدخل المحدود وما خصص لهم من أراضٍ سكنية، وجدها أحد الأصدقاء فرصة لعرض ما كنت أرمي إليه وأتمناه وهو أن تسمح لي الأمانة بضم الشارع الجنوبي إلى منزلي البالغة مساحته 625 متراً مربعاً ومساحة الشارع 250 متراً مربعاً ليصبح بعد الضم 875 متراً مربعاً، أسوة بجيراني سمع أبوعلي ما قاله الصديق المشترك فرد بأريحيته المعروفة «ايه أبرك ساعه» ونام كلٌّ منا على هذا الحلم الجميل.
في الصباح الباكر ارتديت أحدث بشت في خزانة ملابسي اشتريته من سوق العبابجية في بغداد خلال وجودي هناك ممثلاً لوزارة البترول في مهمة رسمية.
دخلت على أبي علي في مكتبه بابه مشرع وباله أوسع، رحب بي وسألني عن حاجتي تعلو محياه ابتسامة لاضفاف لها.
قلت له «جيت لك من شان موضوع البارح» قال وشو؟ ثم التفت إلى أوراق أمامه صار يقلبها وهو يحدثني، وعندما شرحت له قصدي وعبارة «ابرك ساعة»
تغيرت ملامحه وصار يحدثني بلغة الجوارح يقطّب ثم يبتسم إلى أن قال:
الموضوع ليس بهذه السهولة!! «النظام يابو زهير».
شرح لي النظام ووعدني خيراً، وعرفت منه ومن المرحوم أبو عبدالله محمد العميل أنهم شكلوا لجنة من الأمانة وأملاك الدولة وجهات أخرى انتهت بتثمين الشارع وبيعه عليَّ بعد أن قررت أن الشارع فعلاً ميت كما يقول العقاريون. دفعت المبلغ وأفرغوا لي وأنا على يقين أن أبا علي قال أبرك ساعة وهو يعنيها لكن كما قال النظام أولاً يابو زهير.
دارت الأيام وتوثقت علاقتي بأبي علي وتابعت بكل احترام وإعجاب سجله الحافل بجلائل الأعمال.
وعندما قرر أن يترجل تفرغ لأعمال البر والتقينا مرة أخرى هو أبو علي صاحب الهامة المرفوعة وأنا مدير عام صندوق الأوبك «OFID ومقره فينا، فاتحني أول مرة بطلب بسيط هو تقديم منحة سنوية لمعهد الكفيفات في عمان الأردن. (صفحه 186 من الطبعة الأولى بتوقيعي). وأشهد بالله العلي العظيم بما يملكه هذا الإنسان من قيم رفيعة.
لقد زرت المركز في عمان ووقعت منحة مع إدارته بحضور ممثلين عن سفارة خادم الحرمين الشريفين في عمان التي تتولى الصرف على المركز. وعندما تجولت بالمركز ورأيت عدداً من السيدات من ليبيا واليمن وسوريا وموريتانيا ازددت قناعة بما يملكه هذا الإنسان بين جوانحه من فضائل لا تحصى.
ثم التقينا مرة أخرى، هذه المرة كان أبوعلي رئيساً لمعهد إنماء المدن العربية وكان لي الشرف في إقناع مجلس المحافظين في صندوق الأوبك للتعاون مع المعهد ومد يد العون له ولو بشكل رمزي (الصورة صفحة 135، 161نفس الكتاب) والحقيقة وهو الأهم أن ما قام به أبوعلي في خدمة المدن العربية شيء يشرفنا في هذا الوطن الغالي، لقد سبق أبوعلي بعمله الدؤوب وحماسته المعروفة جهود الأمم المتحدة في صياغة أحد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وهو:
«السعي نحو تحقيق مدن ومجتمعات محلية مستدامة».
هذه الأهداف السبعة عشر صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 وعلاقة أبي علي بهذا المطلب النبيل أقدم من ذلك.