أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبوعبدالرحمن: تفجير اللغة خير وبركة للغة العرب وآدابها وإن كره المُتخثرون؛ ولقد باركها قديماً الفيلسوف (أفلاطون) في محاورة (ثياثيوس) عندما قال: «ليست الكلمة هي التي ينبغي أن تقال؛ بل ينبغي التأمل في الموضوع الذي تسميه الكلمة»؛ فهذا هو دلالة المسمى الذي يمنح التعبير الأدبي ويعتقه من الجمود على النموذج الجالب الملل؛ وهو غذاء فكري تتداعى به المعاني والأفكار والأخيلة.. وفي عبارة (أفلاطون) إلماح إلى الانتقال من معنى الكلمة إلى فكر الكلمة؛ فكلمة ككلمة (العدم) يعرف معناها العرفي اللغوي كل الناس؛ لأن معناها عادة لغوية، ولكن فكرها مما لا يحققه إلا الطلائع.. وقال (أفلاطون): «اللغة أضعف وسائل المعرفة؛ لأنها غير قادرةٍ على التعبير».
قال أبوعبدالرحمن: هذه كلمة فيها حيف؛ لأن أجلى وجوه البيان بيان اللغة، ومن مجاز المفردة اللغوية مما يتعلق بالمسمى: دلالة التضمن، ودلالة اللزوم، ولكن بركة تفجير اللغة من جهة دلالة المسمى: توسعة للتعبير الأدبي البلاغي المركب بالإيحاء والتداعي، وليس ذلك عن فقرٍ في لغة العرب؛ لأن اللغة تفي بالتعبير بجملٍ كثيرة؛ وإنما الإيحاء الأدبي: يختصر الكلام، ويمنحه الإيجاز والسموق الفني.. وأصالة المفكر الغيور: أن يكون يقظاً حذراً من التدليس الطائفي ملةً، أو نحلةً، أو شعوبيةً؛ وذلك بأن يجعل الأغيار بركات تفجير اللغة مطيةً لاصطناع العبث باللغة كما يفعل (أدونيس) عدو أمتنا في تاريخها ودينها، وجعل (أدونيس) اللقب اسماً له قبحه الله، وظل محتجاً بكلمة أفلاطون الأولى الجميلة مضيفاً إليها الكلمة الثانية؛ ليجعل من كلمة أفلاطون الأخيرة عن دعوى عجز اللغة سبيلاً إلى اختراع مدلولٍ للألفاظ من غير عرف سابق، أو مواضعةٍ ذات دلالة تصحيح؛ وذلك هو تحطيم الكيان، واجتثاث الجذور، وأما العبثي المخدوع فلا نقول له: (حرام عليك أن تمشي على رأسك!!.. ولكننا نقول: افعل ولن تـجد لسنة الله تبديلاً!!).
* * من هفوات الإمام (ابن حزم) رحمه الله تعالى حول النحو:
قال الإمام أبومحمد ابن حزم رحمه الله تعالى في سياق كلامه عن التربية التعليمية: «ومعنى النحو هو معرفة تنقل هجاء اللفظ، وتنقل حركاته.. والذي يدل على كل ذلك: اختلاف المعاني كرفع الفاعل، ونصب المفعول، وخفض المضاف، وجزم الأمر والنهي كالياء في التثنية، والجمع في النصب والجر، وكالألف في رفع التثنية، والواو في رفع الجمع، وما أشبه ذلك؛ فإن جهل هذا العلم: عسر عليه علم ما يقرأ من العلم.. واللغة هي ألفاظ يعبر بها عن المعاني فيقتضب من علم النحو كل ما يتصرف في مخاطبات الناس، وكتبهم المؤلفة، ويقتضب من اللغة المستعمل الكثير التصرف.. وأقل ما يجزئ من النحو كتاب (الواضح) للزبيدي، أو ما نحا نحوه ككتاب (الموجز) لابن السراج، وما أشبه هذه الأوضاع الحقيقية.. وأما التعمق في علم النحو: ففضول لا منفعة به؛ بل هو مشغلة عن الأوكد، ومقطعة دون الأوجب والأهم؛ وإنما هي تكاذيب؛ فما وجه الشغل بما هذه صفته؟.. وأما المـنفعة من هذا العلم: فهي المخاطبة، وما للمرء حاجة إليه في قراءة الكتب المجموعة في العلوم فقط؛ فمن يزيد في هذا العلم إلى إحكام كتاب (سيبويه) فحسن .. إلا أن الاشتغال بغير هذا أولى وأفضل؛ لأنه لا منفعة للتزيد على المقدار الذي ذكرنا إلا لمن أراد أن يجعله معاشاً؛ فلهذا وجه فاضل؛ لأنه باب من العلم على كل حال».. انظر كتاب (مراتب العلوم) ضمن رسائل ابن حزم 4/ 66-67 .
قال أبوعبدالرحمن: كلا؛ بل التوسع في النحو أعظم الأركان في علم الدلالة؛ لمعرفة مراد المتكلم في الكلام المركب، وكم في تفاسير كلام الله، وفي شروح الأحاديث من أخطاءٍ شنيعةٍ صلعاء لما تنطوي عليه من مخالفة مراد الله سبحانه وتعالى.. ودلالة كل كلامٍ يسبب الانخداع بالصناعة النحوية، والتخير من احتمالات النحو ما هو عندهم أصح دلالة.. بينما فهم المراد ليس وقفاً على الأصح دلالة في احتمالات النحو؛ بل يكفي أي معنى صحيح دل عليه برهان الرجحان من مراد المتكلم؛ ولهذا ينبغي التوسع في النحو واللغة بفكرٍ دقيق لماح.
قال أبو عبدالرحمن: لو أدرك الإمام أبومحمد موسوعات النحو التي ألفت بعده كـ(شرح الخلاصة) للشاطبي؛ لعلم عظم فضل النحو.. ولا ريب أن المراد معرفة المقدار الضروري من كل فنٍ، ولكن المقدار الضروري من علم النحو لا حد له؛ وإنما يجعل له حداً التوسع فيه؛ لتحرير الأسفار من فضوله، ووضع القواعد والنماذج الكافية لتفسير القرآن، والحديث، ونصوص الشعر والأمثال المخالفة المتعين من مراد المتكلم.. والكتب التي ذكرها أبومحمد موجزة لا تمنح القارئ فقهاً نحوياً.وإلى لقاءٍ قريب إن شاء الله تعالى.
** **
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -