أ.د.عبدالله بن أحمد الفيفي
السِّفر الأوَّل من خمسة
1
صَوْتُهُ صَارِخٌ في البَرِّيَّةْ:
لِطَرِيقِي أَقِيْمُوا الطُّرُقْ
هكَذَا كَانَ يَلْبَسُ مِنْ وَبَرٍ إِبِلًا،
وعَلَى حَقْوَيْهِ تَمَنْطَقَ مِنْ جِلْدٍ صَحْراءَ الرُّبْعِ الخالِي،
قِراهُ جَرَادُ قُرانا،
ومِن عَسَلِ البَرِّ،
عَبَّ وَرِيْدَ الجَحِيْمِ، ضُحًى، وانْطَلَقْ!
2
:- يا فِراخَ الأَفَاعِي،
لَسَوْفَ يُقِيْمُ العَليُّ عِيالًا لـ(أَبْرَامَ) مِنْ حَجَرٍ؛
فهُوَ الآنَ يُهْوِي بِفَأْسٍ عَلَى رَحِمِ الشَّجَرَةْ!
وأَنا جِئْتُ، مِنْ ماءِ نارٍ، أُعَمِّدُكُمْ،
أَيُّها الكُمْهُ في لَيْلَةٍ تَقْتَفِي أَنْجُمًا غَدَرَةْ!
3
لَيْسَ بِالخُبْزِ يَحْيَا البَشَرْ
بَلْ بِخُبْزِ فَمِي،
وإِدامِ دَمٍ،
مِنْكُمُ مِثْلِ دِيْمِ المَطَرْ...
فهَلُمُّوا وَرَائِيَ،
أَجْعَلْكُمُ صائدِيْ الصَّائدِيْنَ،
كَبَدْوٍ تُرَوْنَ،
وتَلْبَسُكُمْ بِيَدِيْ أَبْلَسَاتُ الحَضَرْ!
4
تَرِثُونَ الثَّرَى في الوَرَى،
تَرِثُونَ السَّماواتِ والآخِرَةْ!
أَنْتُمُ مِلْحُ أَرْضِي،
ولكِنْ إذا فَسَدَ المِلْحُ،
ما مِنْ طَعامٍ يُساغُ عَلَى شَفَةِ (السَّاهِرَةْ)!
5
أَنْتُمُ نُورُ عَالَمِيَ المُشْتَهَى!
مَنْ تُرى لا يَرى؟!
مَنْ بِمَقْدُوْرِهِ أَنْ يُوَارِي بِأَهْدَابِهِ مُدُنًا في جِباهِ الجِبالْ؟!
وأَنا لُغَتِي؛
فإِلَى أَنْ تَزُولَ الشُّمُوسُ،
تَزُولَ النُّجُومُ،
فإنَّ حَرُوفَ بَيانِيَ ما إِنْ لها زَلَّةٌ،
ومُحالٌ بِأَنْ يَرتَدِيْها غُبارُ زَوالْ
لَنْ تَجِفَّ عَلَى نَسْجِها نُقْطَةٌ
لَنْ تُغادِرَ مِنْ نَسْقِها فاصِلَةْ
إِنَّ قامُوسَ هذا الثَّرَى مِنْ رَحِيْقِ فَمِي شَهْدُهُ،
وخَيالِي الزُّلالْ!
اُذْكُروا:
قَبْلَ قَرْنٍ،
بَدا قَفْرُكُمْ- والَمَدَى مِنْ مُدَى فَقْرِكُمْ-
طاعِنًا فِيْهِ قَلْبَ المُحالْ!
وأَنا..
أَنا مَنْ غَيَّر الحالَ في الحالِ مِنْ بَعْدِ حالْ!
6
هَلْ سَمِعْتُمْ بِـ«عَهْدٍ قَدِيْمٍ» يُرَدِّدُ:
«عَيْنٌ بِعَيْنٍ، وسِنٌّ بِسِنٍّ»؟
هَنِيْئًا لِأَعْيُنِكُمْ، ولِأَسْنانِكُمْ!
ولَنا بِالدِّلاخِ بِبَيْدائكُمْ!
حَسَنًا..
شِرْعَةٌ، رُبَّما، عادِلَةْ!
شَرْقُ أَوْسَطِها شَمْسُهُ عَيْنُها مَائلَةْ!
إِنَّما أُرْسِلَتْ لَكُمُ وَحْدَكُمْ،
فعَلَيْكُمْ بِها،
لِتَفانَوا بِها،
طُغْمَةً غافِلَةْ!
...
خَبَرٌ عاجِلٌ:
ساعةُ الصِّفْرِ دَقَّتْ لإِنزالِ نِعْمَتِيَ النَّاسِخَةْ!
فانهضُوا، استقبِلوا نِعْمَتِـي!
كَيْفَ لا؟!
إِنَّها نِحْلَتِي «الأَنْجُلُوسَكْسُنِيَّةُ»،
هذي الجَدِيْدَةُ والرَّاقِيَةْ:
لا تُقَاوِمْ يَدَ الشَّرِّ،
بَلْ مَنْ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ التَثَمَكْ،
فَلْتُحَوِّلْ لَهُ وَجْهَهُ شارِعًا واسِعَا!
مَنْ نَوَى- إِنْ نَوَى- أَنْ يُهاوِشَ ظِلَّكَ،
أو أَنْ يُرَاوِدَ طَلَّكَ،
فَاتْرُكْ لَهُ جَسَدًا عارِيًا مِنْ ثِيابِ الحَياةْ!
ولتُجَرِّعْ بَنِيْهِ سُلافَ الرَّدَى ناقِعَا!
ولِمَنْ سَخَّرَكْ،
مِلِّمِتْرًا.. وحتَّى أَقَلَّ،
لِتَجْعَلْ قَرَاهُ أَتانًا تَدُوْرُ عَلَى ساقِيَةْ
طَبِّقُوا نِعْمَتِيْ تِلْكَ، يا سُفَراءَ الحَداثَةِ،
جُبُّوا قَدِيمًا عَقِيمًا،
لَنِعْمَ ...، أَنا، شارِعًا بارِعَا!
7
أَمْ سَمِعْتُمْ بِـ«عَهْدٍ قَدِيْمٍ» يُنادِي:
«أَحِبَّ قَرِيبَكَ،
أَبْغِضْ عَدُوَّكَ!»؟
أَمَّا أَنا، فأَقُولُ لَكُمْ:
لا تُحِبَّ قَرِيْبَكَ!
إِنَّ الأَقارِبَ سُمُّ العَقارِبِ!
لا تُبْغِضِ المُعْتَدِي!
بَلْ عَلَيْكَ بِرَشْفِ دِمائكَ مِنْ راحَتَيْهْ!
ولْتُطَبِّعْ مَعَ القاتِلِيْكَ بِجَبْهَةِ فِطْنَتِكَ اللَّامِعَةْ!
ولْتُبارِكْ لَعائنَهُمْ فَوْقَ هامَةِ رَأْسِكَ؛
إِنَّ الهَوَانَ دِيانَتُكَ اليَوْمَ،
يا بَيْتَ قِبْلَتِهِ الرَّابِعَةْ!
8
لا لِكُرْهِ (الغُرَيْرِ النَّتِنْ)!
ولا لِثَقافَةِ كُرْهِ العَدُوِّ اللَّدُوْدْ!
لا..
ولا سِيَّما كُرْهِ (سَامٍ)،
وسامِيَّةِ (الخَزَرِ الأَشْكِنازِ)!
ولا لِكَراهَةِ (صِهْيَوْنَ)!
حِصْنِ (يَبُوْسَ)، وبَيْتِ الوَلِيْدِ الوَلُوْدْ!
واكْرَهُوا مَنْ تَشاءُ الشَّياهِيْنُ مِنْ بَعْدِها، لا قُيُوْدْ...
مَثَلًا:
لَكُمُ كُرْهُ (هِتْلَرَ)، ذِي المُنْتَزَى!..
واكْرَهُوا (الهُلُكُسْتَّ)، ورَاكِبَها..
ولَكُمُ، مِنْحَةً غَضَّةً، فَوْقَها:
كُرْهُ (كَنْعانَ)،
أو كُرْهُ (يامٍ)،
و(حامٍ)،
و(يافِثَ)...
ذلِكَ حَقٌّ أَصِيْلٌ، وإِرْثٌ تَلِيْدٌ لِأَولادِكُمْ؛
أَ وَكُلُّ كَرِيمٍ كـ(حَاتِمِ طَيْ)؟!
أُسْوَةً بـ«الكِتابِ المُقَرْطَسِ» في سَلْسَبِيْلِ السُّلافِ،
فلَنْ تُنْبَزُوا بِالكَراهَةِ،
أو بِمُعاداةِ أَولادِ (نُوْح ٍ)،
ولا بِمُنَاوَاةِ أَولادِ (هُوْدْ)!
...
صَوْتُهُ صَارِخٌ في البَرِّيَّةْ:
لِطَرِيقِي أَقِيْمُوا الطُّرُقْ
هكَذَا كَانَ يَلْبَسُ مِنْ وَبَرٍ إِبِلًا،
وعَلَى حَقْوَيْهِ تَمَنْطَقَ مِنْ جِلْدٍ صَحْراءَ الرُّبْعِ الخالِي،
قِراهُ جَرَادُ قُرانا،
ومِن عَسَلِ البَرِّ،
عَبَّ وَرِيْدَ الجَحِيْمِ، ضُحًى، وانْطَلَقْ!