ليلى أمين السيف
عندما كنت صغيرة كنت الوحيدة من أخواتي البنات التي كانت ترفض أن تعمل بعد تخرجها وقلت لأبي يومها إنني أدرس فقط لأتعلم وأفهم وأن مكان المرأة هو بيتها فراحتها هي مسؤولية الذكور من أهلها كما تفعل مع أمك وأخواتك.. أتذكر يومها ضحكة أبي وهو يدعو لي أن يحنن قلوب أزواجنا وأبنائنا وإخواننا الذكور علينا البنات.. ودارات الأيام فأصبحت أنا الوحيدة من بين أخواتي والتي عملت فور تخرجها وحتى قبل أن أتسلَّم شهادتي الجامعية حتى حين كتابة هذه الخواطر..
وعندما طلبت المعلمة من ابنتي أمل وزميلاتها إبداء آرائهن في عمل المرأة، وقتها كانت إجابة ابنتي للمعلمة عدم موافقتها لعمل المرأة وكنتيجة لهذا اختارت ابنتي «التستت» وتولي الذكور شؤونها رغم أن أمها عاملة منذ صغرها..
قالت يومها ابنتي للمعلمة إن أمها لم تقصر إلا في حق نفسها لأنه لا يمكن المحافظة على سلامة البيض كله داخل السلة لابد من ضرر ما وقد وقع الضرر على أمي لأنها آثرت التضحية بنفسها وهي لا تريد أن تكرر الخطأ ذاته إلا إذا اضطرت ولذا فهي لن تتزوج إلا الرجل القادر على القيام بكامل مسؤولياته عن بيته.
صديقة لي عزيزة عليّ اتصلت بي في ذات اليوم الذي ألقى فيه زوجها ملاحظته عليها بأنها قد تعبت ووهن جسدها و»كبرت».. أخبرتني أن أساعدها في كتابة خطاب الاستقالة فوراً فإن الرجال للأسف في مجتمعاتنا الشرقية يردن للمرأة أن تعمل المستحيل.. تربي الأبناء وتحمل وتنجب وتطبخ وتكنس وتساهم في مصروف البيت وتدرس الأبناء وتقوم بكامل واجباتها الزوجية والاجتماعية وتحسن التبعل وتجيد الابتسام وتهجر الشكوى ولا تتألم ولا تبدي امتعاضاً أو تذمراً وتكون بكامل زينتها وجمالها.. وهو ذكر عليه أن يعمل ويعود للمنزل نافخاً ريشه يتذمر إن تأخر الغداء أو أن أكل طعاماً بايتاً وهو يحب القيلولة وحبذا لو تصنع له حلوى وفنجان قهوة مصحوبة بدعوة حلوة وابتسامة رضا.. وعليها كذلك أن تمنحه حقوقه الشرعية بكل طيبة نفس وبلا كلل أو ملل.
تلك كانت حياة النساء اللواتي كن يعملن.. ولن نتحدث عن تسلط الذكور في الأسرة من زوج وإخوة وبعض الآباء.. حتى جدت أمور وتمردت النساء بفعل ما مضى وبتحريض الكثير لتخريب الهرم الاجتماعي وتدمير الأسر..
عاشت المرأة قروناً من استعباد بعض الرجال وظلمهم وعدم فهمهم للشريعة السمحاء فتم تجريد المرأة من حقوقها وأسيئ للمرأة كثيراً حتى انتفضت مؤخراً ولكن أسيئت فهم المقاصد الشرعية لإعطاء المرأة حقوقها فتم التعامل معها برفاهية وفتحت أمامها مجالات كان الأولى بها الرجل المسؤول شرعاً وديناً ومجتمعياً عن البيت وأهله وفهمت بعض النساء مفهوم القوامة خطأً وانحرفت عن مسارها الصحيح، كما فسرها الرجال قبلهن كذلك على محمل يبيح له كل شيء فوقعنا بين طرفي نقيض.
ففسرت نساؤنا الآية الكريمة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} على أنها لاتخصهن وأطلق الرجال مفهوم القوامة ولم يفقه مغزاه ..
أخيراً «وإذا كان الله قد اختار المرأة للبيت والرجل للشارع، فلأنه عهد إلى الرجل أمانة التعمير والبناء والإنشاء، بينما عهد إلى المرأة أمانة أكبر وأعظم هي تنشئة الإنسان نفسه. وإنه من الأعظم لشأن المرأة أن تؤتمن على هذه الأمانة». «د مصطفى محمود».