محمد ناصر الأسمري
الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر -رحمه الله-، شغل الناس في العالم العربي سنوات خلال حكمه الجمهورية العربية المتحدة حتى وفاته. شغل النخب العربية بخطبه المتتالية، لكن تراجع عن بعض قناعاته، ولعل أقرب الأمثلة توافقه واتفاقه مع الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله- في إنهاء الحرب والاحتراب في اليمن، ووقوف الملك فيصل معه في قمة الخرطوم رغم ما كان من خلافات لا اختلافات في الشأن القومي العربي.
والدي- رحمه الله- ما كان يحب جمال عبد الناصر أبداً، لأنه لمس بعض التجاوزات أثناء حرب فلسطين 1948م، وادعاء جمال أنه قائد حصار الفالوجة ويعلم والدي- غفر الله له- وهو مشارك في تلك الحرب أن قائد حصار الفالوجة هو الضبع الأسود.
كنت معجباً بجمال في شبابي، لكن تتابع الأحداث وقسوتها على العرب وفي المقدمة مصر كبيرة العرب قللت عندي من الإعجاب وإن لم تخب. -ورحم الله- أبي واللواء سعيد الكردي قائد الجيش السعودي في حرب 1948م الذي سعدت بتوثيق مذكراته في كتابي: الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948م. كلاهما ما كانا يحبان جمال.
عودة لعنوان مقالي هذا، فقد تعينت مديراً عاماً للطرق والنقل في منطقة تبوك، وسعدت بالعمل تحت توجيه وإشراف الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز -رحمه الله-.
غادرت الرياض لمباشرة عملي، ووقعت في ورطة مع سائق سيارة تاكسي في مطار تبوك، إذ أبلغني أنه يعرف إدارة الطرق والنقل وإذا به يوصلني إلى شركة يعمل بها اسمها إدارة الطرق، لكن الله سلم وعدت وسط المدينة لأسأل أحد رجال الدوريات الأمنية عن إدارة الطرق فدلني عليها.
دخلت مبنى إدارة الطرق والنقل، وجدت رجلاً مصرياً طيباً يعمل سكرتيراً لمدير الإدارة، وطلبت أن أقابل المدير فرفض أن المدير مشغول ولابد من موعد، حينها أبلغته أني المدير المعين، فزع الرجل قائلاً: يا نهار أبيض، ودلف لمكتب المدير السلف ليبلغه أني المدير الخلف، فخرج ذلك الزميل واستقبلني استقبالاً طيباً، بدأت في تفقد أقسام الإدرة الهندسية والإدارية والتعرف على الزملاء العاملين فرداً فرداً والعمل الذي يؤديه. ووصلت إلى رجل من مصر طويل القامة أبيض الوجه وعرفوني عليه: جمال عبد الناصر؟؟ قلت لا إله إلا الله هو ما زال حياً؟؟ ضحكنا وكان الزملاء مسروين كثيراً لروح الألفة والتعاون.
لا أعلم الآن أين زميلي جمال عبد الناصر الذي كنت رئيساً له في إدارة الطرق والنقل في تبوك، وأرجو الله أن يكون بخير فقد مضى على هذا الحدث قرابة 38 عاماً.