مبارك بن عوض الدوسري
من دار الفناء إلى دار البقاء.. انتقل عمي محمد بن مسفر آل مهنا الدوسري إلى رحمة ربه ومغفرته ورضوانه بعد أن لفظ أنفاسه الزكية الطاهرة يوم الاثنين الثاني من شعبان 1445هـ عن عمر يناهز الثامنة والسبعين عاماً قضاها في خدمة وطنه من خلال التحاقه بشركة أرامكو السعودية منذُ عام 1964م، حتى تقاعده عام 1996م، وكان يشغل وقتها ناظر قسم صيانة معامل تصنيع الزيت في بقيق حيث طويت في ذلك اليوم صفحة كفاح طويل حافلة بالعطاء، وغادر دنيانا الفانية بعد معاناة مع أمراض عدة، راحلاً عن هذه الدنيا والله عنه راضٍ، ورضا الله عن خلقه يترجمه حب الناس له في حياته وحزنهم عليه بعد مماته، وعمي إن شاء الله إنه ممن أحبه الله، وحبب فيه خلقه، يؤكد ذلك الجمع الغفير الذي حضر للصلاة عليه في جامع الملك فهد في إسكان الخبر، والذين شاركوا في دفنه رحمه الله في مقبرة الثقبة يوم الثلاثاء الثالث من شعبان من عام 1445هـ، والعدد الهائل الكبير من محبيه الذين قاموا بواجب العزاء سواء من أقاربه أو زملاء الدراسة داخل المملكة وخارجها أو زملاء العمل، أو ممن يعرفونه بالذكر الحسن والأيادي البيضاء التي كان يبذلها للقاصي والداني، تاركاً إرثاً طيباً من السمعة، وذكريات جميلة مع كل فرد منا نحن أبنائه واقاربه ومعارفه، ومخلفا وراءهً مواقف جميلة مع والديه وإخوانه وأخواته رحمهم الله جميعاً تجعلنا نبتسم لذكراه حتى في أقصى درجات حزننا عليه، وليس لنا في هذه الفاجعة إلا القبول بقضاء الله وقدره والقول كما أمرنا الله تعالى عندما تحل بنا المصائب {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
لقد أثر فينا عمي رحمه الله نحن عائلته بنين وبنات منذُ أن وعينا على هذه الدنيا فقد كان حكيماً، ومسالماً، وهادئاً، ومتواضعاً، وراضياً، وزاهداً، يزن كلماته، ويعرف متى يتحدث، يدرك تماماً أهمية الكلمة وأهمية رزانة العقل، سخياً في الحنان والطيبة والابتسامة، وافر العطاء مُحب للقراءة وهو الأمر الذي جعل تقريباً كافة العائلة تهوى تلك الهواية وتمتلك رصيداً من المعرفة كان يميزنا في أيام الدراسة عن الكثيرين من أبناء وبنات جيلنا، كما كان الأقرب إلى قلوبنا جميعاً سواء أبناء إخوته أو أخواته فقد كان شخصية يألف ويؤلف، وداً وحباً ووفاءً صادقاً، خفيف الظل، لطيف النكتة، يسعد بصحبته من يصاحبه في السفر أو الحضر.
سيبقى فقدك يا عمي جرحاً نازفاً على مدى الأيام نداويه بالدعاء والرجاء أن يتقبلك الله قبولاً حسناً وينزلك منازل الأخيار والصالحين جزاءً وفاقاً لعبد منيب تقي نقي صادق الوعد، ولا أنسى وأنا أختم تلك الأسطر أن أعزي أم مسفر وكافة أبنائك وبناتك، وأعزي كل معارفك وأنسابك وأصدقائك وزملائك وجيرانك الذين عرفوك أيما معرفة عن قرب وكثب، وأتمثل فيك قول الشاعر:
لو كنت تُفدى بالنفوس عن الردى
لفدتك أنفسنا وما نتأخر
لكنَّ تلك طريقة مسلوكة
وسجية مكتوبة لا تقهر
يا زاهداً عرف الحياة فما هوى
في المغريات ولا سباه المظهر
نم في جنان الخلد - إن شاء الله - يا ذا التقى
وانعم بظل وارف لا يحسر
اللهم تغمد عمي أبا مسفر عندك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إننا نشهد بأنه صاحب فضل وبر وإحسان وخير، وأنت تعلم السر وأخفى، وأنت بصير بالعباد، لا نزكي عليك أحداً، أنت حسيبه وحسيبنا وحسيب كل أحد، اللهم ارفع منزلته في أعلى عليين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، اللهم أجبر مصابنا فيه، وأن تجعلنا وإياه وجميع المسلمين مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد..
وإني لأرجو الله أن يكون ممن قال فيهم سبحانه وتعالى:
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.