خالد محمد الدوس
الرحيل من هذه الدنيا الفانية أمر حتمي ومسألة محسومة على جميع الخلق، فالموت لا مفر منه ولا محيص عنه، ونحن البشر موقنون بأن الأرواح لا ترحل إلا وقد نالت حقها المقدَّر لها والمكتوب في اللوح المحفوظ، والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى.
ولا شك أن الأثر الطيب الذي يتركه الإنسان بعد وفاته ورحيله عن هذه الدنيا الفانية هو عُمر آخر، فبذكره الحسن وتناول سيرته العطرة والثناء عليه يكون سبباً -بإذن الله- لعفو الله تعالى عنه بعد الدعاء له وذكره الطيب وأنتم شهداء الله في أرضه.
وأذكر في هذا السياق حديث الجنازتين اللتين مرّتا على الصحابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إحداهما أثنى الناس عليها (خيراً) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وجبت، والأخرى أثنوا عليها (شراً) فقال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: وجبت، فسأل الصحابة -رضي الله عنهم- النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فأخبر أن الأولى وجبت لها الجنة والأخرى بضد ذلك، وقال: (أنتم شهداء الله في أرضه).
في ذاكرتي الاجتماعية بنسقها القرابي نماذج أصيلة وأسماء ذات مبدأ وفضيلة بإرثها التربوي والقيمي والأخلاقي والاجتماعي ما زالت حاضرة في الأذهان والوجدان.. رحلت وقد تركت أثراً طيباً ما زال يذكر، والذكر الجميل عمر طويل، ومن هذه النماذج الرائعة التي ما زالت حاضرة في الوجدان بنقاء سريرتها وحسن أخلاقها ومواقفها الإنسانية التي كانت تنم عن شهامة وقيم ونُبل وأصالة الأخ الحبيب القريب للقلب الراحل عبدالرحمن بن عبد الله اليوسف -رحمه الله تعالى- الذي كان من أوائل الخريجين من جامعة الرياض (الملك سعود حالياً) في تخصص (الكيمياء الحيوية) في محيطنا القرابي من كلية العلوم قبل أكثر من أربعة عقود زمنية.. ورغم مكانته العلمية والاجتماعية والعملية ولم يزده ذلك إلا تواضعاً وخلقاً.. فقد كان -رحمه الله- صاحب مواقف نبيلة وصفات جليلة مع كثير من الأقارب، يشفع وينفع ويساعد المحتاجين والمساكين ويحب أعمال الخير والبر والإحسان.
وممن جمعوا مع التقوى والصلاح مكارم الخصال وجميل الخلال بعد أن وهبه الله قلباً كبيراً اتفق الجميع من الأحباب والأقارب والأصحاب على محبته، فكان اسُمه -رحمه الله- في حياته يتردد في محيطنا العائلي، ونسمع عبارات الثناء والشكر والتقدير له من الجميع، وهذا الذكر الطيب الذي اكتسبه الراحل (أبو محمد) والثناء والحمد والشكر من كل من عرفه عن قرب لم يكن مجرد مجاملات، بل هي حقيقة وواقع لأنه كان يفتح قلبه الكبير بالعطاء والوفاء لكل من لجأ إليه في حاجة أياً كانت هذه الحاجة فلم يكن في قاموسه الإنساني لفظة (لا)، وإن كانت مكارم الأخلاق جسداً (يمشي) على الأرض (فأبو محمد) كان يمثِّل هذا الجسد. هذا الجسد الذي مات.. ولم يمت صاحبه (إنساناً) وخُلقاً وعملاً، بل كان الراحل قدوةً حسنة جبُلت على سمو التعامل الرفيع مع الجميع.. بكيميائية العلاقات الاجتماعية والتفاعلات الإنسانية التي كانت عنوان شخصيته النموذجية. عرفته المواقف كريماً يزيده الحياء رفعة، ويرفعه التواضع مكانة، عرفته الحياة يعطي دون أن ينتظر من الآخرين جزاء.. فقد عرفتُه من أطيب الناس نفساً وأذكاهم خلقاً، وأعفهم لساناً وأبرهم أخوةً وأبقاهم وداً..
وأكثرهم ورعاً وأوفاهم عهداً وأسرعهم في مضمار الخير وميدان العطاء والنبل والوفاء.. لا شك أن الحدث لجلل، وأن الفقد لعظيم وأكبر من الكلمات ومما يعتلج في النفس من مشاعر فيّاضة وأحاسيس عميقة.. ولكنها أقدار مقدرة من الخالق العظيم والرب الرحيم..
مات الرجل الطاهر (عبدالرحمن اليوسف) تاركاً إرثاً اجتماعياً أصيلاً يتكئ على رصيد كبير في بنك العلاقات الاجتماعية (قيماً وخلقاً وأدباً وتعاملاً). ملك بها محبة ومشاعر وقلوب أحبابه وأصحابه وأقاربه.. محبةً يغرسها الله سبحانه وتعالى في قلوب عباده لمن يشاء.
ورحم الله الشاعر العربي الذي قال:
«طوبى لمن جعل المحبة جدولاً
وسقى أحبته فطاب وطابوا»
رحمك الله (أبا محمد)، رحلت بصمت عن هذه الدنيا الفانية وقد تركت سيرة عطرة، وأثراً طيباً سيبقى منهجاً يُحتذى به.