فضل بن سعد البوعينين
قد تكون المرة الأولى التي يُبرِز فيها وزير إعلام سعودي حجم مساهمة قطاع الإعلام في الناتج المحلي الإجمالي، والنمو المستهدف في السنة المالية الجديدة، وحجم استثمار القطاع في رأس المال البشري.
معالي وزير الإعلام سلمان الدوسري تحدث بلغة الأرقام في المنتدى السعودي للإعلام، وأشار إلى حجم مساهمة القطاع في الناتج المحلي، التي بلغت نحو 14.5 مليار ريال في العام 2023، مع استهداف تحقيق نحو 16 مليار ريال العام 2024. وتحدث أيضاً عن الاستثمار في رأس المال البشري ما أسهم في توفير 56 ألف وظيفة في قطاع الإعلام، العام الماضي، واستهداف 67 ألف وظيفة للعام الحالي. ركيزة الأرقام من مرتكزات استراتيجيات «عام التحول الإعلامي في السعودية»، وأحسب أنها إحدى أهم مرتكزات قياس الكفاءة، وتحقيق المستهدفات الإستراتيجية، في جانبي المخرجات الإعلامية الفنية، والمساهمة الاقتصادية.
لا يمكن لقطاع الإعلام مواكبة التنمية ومجاراة المتغيرات العالمية السريعة، وتحقيق الأهداف الوطنية، والتنافسية، بمعزل عن القاعدة الاقتصادية القوية والمؤثرة، حيث تشكل الاستثمارات المالية أهمية قصوى في خلق منظومة إعلامية ذات كفاءة وتنافسية عالية، قادرة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية ودعم القطاعات الاقتصادية والتنمية وتحفيز الاستثمارات بأنواعها وجذب المستثمرين، وإبراز الإنجازات والدفاع عن الوطن. تشهد الساحة الإعلامية، الإقليمية والدولية، منافسة شرسة، تُغذيها الاستثمارات الضخمة بهدف تحقيق الجودة العالية والكفاءة والسيطرة على الفضاء الإعلامي وضمان القدرة على التوجيه، والتأثير المحقق للأهداف في جميع المجالات، ومنها السياسية، الأمنية، الاقتصادية، الثقافية، والمجتمعية.
اقتصاديات الإعلام من الجوانب المهمة التي يفترض التركيز عليها بشكل أكبر، وبما يعزز المكاسب المتحققة من القطاع على ثلاثة محاور رئيسة، محور الاستثمارات والعوائد المالية وانعكاساتها على الاقتصاد، ومحور خلق الوظائف، وتطوير الكفاءات الوطنية، والاستثمار في رأس المال البشري، ومحور الكفاءة والقوة الإعلامية الداعمة للتنمية، وبناء المجتمع، والمحققة للأمن الوطني بمفهومه الشامل، وهو ما أجد جانباً مهماً منه في كلمة الوزير سلمان الدوسري، التي لخصت رؤية المملكة لإعلام المستقبل، الذي تسعى لتحقيقه من خلال إستراتيجيات محددة، وبرامج ومشروعات تطويرية نوعية، وخارطة طريقة تستهدف بناء منظومة الإعلام الشامل.
رفع الجاذبية الاستثمارية لقطاع الإعلام من الأهداف المعلنة، والذي تعمل على تحقيقه وزارة الإعلام مع الجهات ذات العلاقة. فالسوق السعودية هي الأكبر في المنطقة، والأكثر جاذبية وربحية، ويمكن تحقيق النمو السريع فيها وبما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية. استكمال البنى التشريعية، وتحديد القطاعات الإعلامية المستهدفة بالاستثمار، وتسهيل دخول المستثمرين وفق رؤية وطنية محققة للأهداف الإستراتيجية من أدوات تحسين البيئة الاستثمارية في القطاع، وجذب الاستثمارات بأنواعها.
تقاطع صناعة الإعلام وتداخلها مع قطاعات اقتصادية أخرى يعزز القدرة على تحفيز الاستثمارات في قطاع الإعلام السعودي، مستفيدة من القطاعات الاقتصادية الموازية، والمشروعات الإستراتيجية، وإذا ما أضيف إلى ذلك حجم السوق، و الملاءة المالية والقدرة على توفير التمويلات اللازمة يُصبح الأمر أكثر جاذبية للمستثمرين.
ضخ الاستثمارات في قطاع الإعلام من الخطوات الإستراتيجية المهمة في تعزيز دور منظومته الإعلامية، ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتحويله إلى قوة مؤثرة تحقق وتدعم الأهداف الإستراتيجية، وتبرز الإنجازات، والتحولات الكبرى التي أحدثتها الرؤية، وتدافع عن المصالح السعودية وتحميها من الداخل والخارج.
الاستثمار في رأس المال البشري من أهم الاستثمارات الوطنية، وهو ما ركزت عليه رؤية2030 من خلال «برنامج تنمية القدرات البشرية». إطلاق الأكاديمية السعودية للإعلام، التي أشار لها الوزير في كلمته، ستسهم في تعزيز هذا الجانب، وتمكين السعوديين والسعوديات وتطوير مهاراتهم وتدريبهم في تخصصات المستقبل. عقد شراكات استراتيجية مع كبريات شركات التقنية ومنصات الإعلام العالمية، مثل: غوغل، وهواوي، وعلي بابا، وغيرها، من الخطوات الإستراتيجية المهمة لتطوير الكفاءات والمخرجات الإعلامية، وصناعة المستقبل. لن تتوقف إنعكاسات الشراكة مع تلك الشركات التكنولوجية الضخمة على الجوانب الإعلامية، بل تتجاوزها إلى الجوانب التقنية، والتوطين، والتوسع في قطاع التكنلوجيا الأكثر أهمية للاقتصاد الوطني.
تطور كبير، وتحول إستراتيجي يشهده قطاع الإعلام السعودي، وفق رؤية واضحة، وإستراتيجيات وأهداف منضبطة ومؤشرات قياس ستسهم، بإذن الله، في إعادة بناء القطاع وتعزيز كفاءته وقوة تأثيره، ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.