خالد بن حمد المالك
مَنْ لم يستشهدوا من الفلسطينيين بسلاح إسرائيل المُدمّر، هم الآن ينتظرون الموت جوعاً، أمام موقف غريب لدى دول العالم بين داعمٍ لجريمة إسرائيل، وملتزماً الصمت أمام الحصار، وكأن هذا السلوك غير الإنساني لا يحرك الضمائر، وكأن الفلسطينيين ليسوا بشراً، وإنما حيوانات كما يُطلق عليهم القادة الإسرائيليون.
* *
يونيسيف تتحدث عن مخاطر سوء التغذية وانتشار الأمراض والعطش في غزة، وأنها تهدد حياة الأطفال الفلسطينيين، ومع ذلك فإن داعمي إسرائيل في حربها يتجاهلون الحقيقة، وخطورة ما يعانيه الأطفال في غزة، اعتماداً على إسرائيل في مصادر أخبارها ومعلوماتها، وبالتالي فهي تقف الموقف المخالف للواقع بتأثرها بأكاذيب تل أبيب.
* *
أما أورونوا فقد أُلصِقت فيها تهمة مشاركة حماس في تصديها لمقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، وصّدقت أمريكا الرواية الإسرائيلية، وشاركها حلفاؤها في الغرب، لمنعها من توفير بعض متطلبات الحياة للفلسطينيين، مع أنه لم يثبت بالدليل القاطع صدق الرواية الإسرائيلية.
* *
وفي هذا فالفلسطينيون إما أمام الموت عن طريق السلاح الفتّاك، أو بواسطة تجويعهم إلى أن يموتوا، فالحصار لغزة، وإقفال المعابر، وبقاء الشاحنات المحملة بالأدوية والغذاء والمحروقات خارج المعابر مستمرٌّ بانتظار موافقة إسرائيل على دخولها، وهي التي تمنع ولا تسمح بذلك.
* *
تصوروا أن روسيا قتلت في حربها مع أوكرانيا ثلاثين ألف جندي في ثلاث سنوات تقريباً، بينما قُتل نفس هذا العدد من الفلسطينيين في ثلاثة أشهر تقريباً خلال حرب إسرائيل في غزة، وهذا يُظهر الفوارق في الإفراط باستخدام القوة بين حربين، وهذا غير مستغرب إذا علمنا أن إسرائيل تمارس حرب إبادة جماعية في غزة.
* *
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة بالظلم والقهر والعدوان، فإن الرئيس الأمريكي يعتقد أنه يجب حماية المدنيين في رفح خلال عدوان إسرائيل المدعوم أمريكياً، لاحظوا أنه يعتقد، أي أنه ليس لديه الجزم بأنه يجب حمايتهم، هذا التصريح أنقله كما تحدث به نصاً المتحدث باسم البيت الأبيض، وأنا أنقل ما قاله، وناقل الكفر ليس بكافر.
* *
ومستشار الأمن القومي الأمريكي يتحدث عن أن على إسرائيل عدم المضي في عملية رفح دون خطة لحماية المدنيين، أي أن أمريكا لا تمانع في تطهير رفح كما فعلت في خان يونس وشمال ووسط غزة، وهو ما يؤكده رئيس وزراء إسرائيل بقوله إن الاتفاق مع حماس لتبادل الأسرى قد يؤخر عملية رفح لكنه لا يلغيها، ما يبعث الشعور بالصدمة على أن العالم بمثل هذا القتال الدموي الممنهج في غزة، إنما يبعث برسالة على أن القوي هو من يقوض السلام والاستقرار والأمن في المناطق الساخنة بالعالم.
* *
والأمين العام للأمم المتحدة يعلن عن أن الهجوم الشامل على رفح سيكون المسمار الأخير الذي يدق في نعش المساعدات، مطالباً بوقف إطلاق النار فوراً، لكن لا أذنٌ سمعت، أو عين رأت، أو ضمير تحرك، وهكذا هي العدالة المُسيسة، وهكذا تُسير عدالة المصالح، فيما تؤكد مقررة الأمم المتحدة بأن إسرائيل لا تطبق الإجراءات الاحترازية التي اتُّخِذَتْ قبل شهر من محكمة العدل الدولية، وما تقوله يتطابق مع تمرُّد إسرائيل على كل القرارات، دون أن تُحاسب، كونها محمية من أمريكا والغرب.
* *
هذا جانب من تعقيدات القضية الفلسطينية، فإسرائيل ليست طرفاً مهيأً للحوار، وقادتها لا يؤمنون إلا بالحروب والضغط فيها على الجانب الفلسطيني، وضد أي مبادرات دولية تقود إلى قيام دولة للفلسطينيين. هذا هو تاريخ إسرائيل، وهذا هو سلوكها، وهذه هي أهدافها التي لم تتغير أبداً منذ 75 عاماً وإلى الآن.