عبدالوهاب الفايز
وجاء يوم التأسيس، وهبت معه رياح الوطنية والاعتزاز بالهوية الجامعة وبالتاريخ الطويل للدولة..
وهذا ما عشناه في الأيام الماضية، فقد شهدنا انطلاق الاحتفالات الواسعة لذكرى التأسيس، وهذه المناسبة السنوية النوعية الجديدة علينا، أصبحت تأخذنا إلى اكتشاف ملامح جديدة لبلادنا، وأيضاً تعطينا الفرصة للاحتفال بالإنجازات الوطنية التي نحققها في جبهات عديدة..
وهي انعكاس لحالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه، وهو الاستقرار الذي مكننا من مواصلة تعميق الشرعية الوطنية للقيادة.. ويعطي أجيالنا الجديدة الفرصة للتفاؤل بالمستقبل.
والمهم، الذي نتذكره جيداً، هو كيف أدى قيام الدولة الوطنية في قلب الجزيرة العربية إلى بروز المنطقة وتجدد حيويتها التاريخية والجيوسياسية، فقيام دولة بحجم ومكانة المملكة أوجد الوضع الإيجابي ليس لنا ولشعوب المنطقة فقط، بل للعالم أجمع. لا يمكن أن نتوقع العالم دون وجود دولة منيعة مستقرة، حيث حفظت الحرمين وسهلت أمور الحج والعمرة، كما أن ثروات النفط والغاز - كما يحفظ التاريخ ويشهد الواقع - توسع أثرها وخيرها إلى البشرية جميعاً، بالذات اقتصاد أمريكا وأوربا الذي استثمر الإمدادات النفطية الرخيصة لسنوات عديدة.
الجميل حين نحتفل بهذه المناسبة السنوية، نرى الإنجازات تتواصل وتتزامن معها على عدة جبهات.
كان هناك الأمر السامي باعتماد لبش المشلح بشكل رسمي، فقد أكد تعميم رسمي من المقام السامي بضرورة الالتزام بلبس (البشت) لقيادات ومسؤولي الدولة أثناء الدخول إلى مقرات العمل والخروج منها، وأثناء الحضور للمناسبات الرسمية، ومنهم الوزراء، ومن في رتبة وزير، والمرتبة الممتازة، ومساعدو الوزراء، ووكلاء الوزارات، ومن يشغل المرتبة الخامسة عشرة أو ما يعادلها، ورؤساء الأجهزة المستقلة ونوابهم وأمراء المناطق ونوابهم، ومحافظو المحافظات، ورؤساء المراكز، والوكلاء.
ويشمل أيضاً أعضاء مجلس الشورى وموظفي الادعاء العام والمحامين.
هذا الأمر السامي تحتاجه بلادنا حتى تواصل تعزيز مقومات (الهوية الوطنية) وتكريس ملامح الشخصية الوطنية للمواطن السعودي.
هذا ضروري لأن الهوية الوطنية القوية تساهم في زيادة التماسك الاجتماعي، وتعزّز الشعور بالوحدة والقيم المشتركة والهدف المشترك بين المواطنين.
وهذا له أهميته في عصرنا الحالي الذي تتوسع فيه تأثيرات العولمة الثقافية والاجتماعية. فتنمية الهوية الوطنية القوية وسيلة لحفظ التقاليد واللغات والعادات المحلية من موجة التأثيرات الثقافية الخارجية.
كما أن تعزيز الهوية الوطنية يعمق الشعور بالانتماء والولاء للدولة الوطنية. وكثير منا يتمنى أن يُعزِّز هذا بالتأكيد الصارم على استخدام اللغة العربية في الاحتفالات والمناسبات الوطنية والدولية.
وفي سلسلة الإنجازات والمكتسبات ما صرَّح به الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة حول توسع احتياطي الغاز. صرح سموه بأنَّ (أرامكو السعودية) تمكَّنت من إضافة كميات كبيرة للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في (حقل الجافورة).
الكميات الإضافية المؤكدة بلغت (15) تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، و(ملياري) برميل من المكثفات، و(تحقق هذا الإنجاز نتيجة تطبيق أعلى المعايير العالمية في تقدير الموارد الهيدروكربونية وتطويرها بما يضمن حُسن استغلالها).
كذلك من الإنجازات حصول المملكة، ممثلة بالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، على جائزة (الريادة للأنواع المهاجرة) التي تمنحها (اتفاقية المحافظة على الأنواع الفطرية المهاجرة)، وذلك خلال الاجتماع الرابع عشر لمؤتمر الأطراف الموقعة على الاتفاقية، المنعقد في مدينة سمرقند بجمهورية أوزباكستان قريبا، تحت شعار (الطبيعة لا تعرف الحدود).
وبلادنا حصلت على الجائزة نظير مساهمتها في دعم وقيادة مبادرة معالجة الصيد والإتجار غير النظامي للأنواع المهاجرة في منطقة جنوب غرب آسيا، للفترة من 2024 - 2026م. وهذا التكريم الدولي يعكس حجم الجهود التي تبذلها بلادنا لحماية الحياة الفطرية والمحافظة على التنوع الأحيائي.
ففي قطاع البيئة أصبح لنا الموقع الريادي والقيادي، ولنا حضور فاعل على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث أطلقنا العديد من المبادرات والبرامج الهادفة إلى المحافظة على البيئة وحمايتها.
التقدير الدولي للمملكة يرجع لموقعنا بين ثلاث قارات، وعبره توجد مسارات هجرة رئيسية لأنواع عديدة من الطيور، وموثق 500 نوع من الطيور في بلادنا، بالإضافة إلى تقارير عن 78 نوعًا كطيور ضالة. لذا، اختيار المملكة لجائزة البطل للمحافظة على الأنواع المهاجرة جاء بناءً على نجاح المواطن السعودي في مكافحة القتل غير القانوني للطيور.
وفي جبهة العمل الإنساني الدولي شهد هذا الأسبوع تواصل مساعدات المملكة لبرامج التنمية المستدامة في العالم. ففي تونس شارك الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية سلطان بن عبدالرحمن المرشد، ووزيرة التجهيز والإسكان التونسية سارة الزعفراني بمحافظة زغوان شمال شرقي العاصمة تونس، في تسليم 270 وحدة سكنية لمستحقيها. وهذا يأتي ذلك ضمن مشروع الإسكان الاجتماعي (سكن الرياض - المرحلة الأولى) الذي يشمل توفير (4715) وحدة سكنية، والذي يستفيد منها مختلف المحافظات التونسية، إذ يموّله الصندوق من خلال قرض تنموي ميسّر بقيمة تتجاوز (150) مليون دولار، للإسهام في رفع المستوى المعيشي عبر تسهيل الحصول على الوحدات السكنية، كما يسهم المشروع في إيجاد فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتعزيز النمو الاجتماعي والازدهار الاقتصادي في تونس.
كما وافق الصندوق على تقديم قرض تنموي ميسّر بقيمة (55) مليون دولار لتمويل مشروع تجديد وتطوير السكك الحديدية لنقل الفوسفات في تونس. وهذا امتداد لما قدمه وكان الصندوق للجمهورية التونسية منذ عام 1975م، فالمملكة موّلت تنفيذ (35) مشروعًا وبرنامجًا إنمائيًا، عبر قروض تنموية ميسّرة ومنح بقيمة تتجاوز (1.3) مليار دولار، لدعم قطاعات البنية التحتية الاجتماعية، والنقل والمواصلات، والطاقة، والتنمية الريفية.
وفي جبهة الثقافة، ثمة إنجاز يستحق التقدير وهو إقامة فعالية (سيمفونية البداية) يومي 25 و26 فبراير على مسرح أبو بكر سالم في بوليفارد سيتي، وتضمنت الفعالية عرض أوركسترا أحيا التراث السعودي. (هذا الحدث يقدم للمرة الأولى إنتاجاً أصلياً يمزج بين الموسيقى الكلاسيكية والآلات السعودية التقليدية، في تجربة موسيقية تأخذ الزائر في رحلةٍ زمنية وطنية تُروَى من خلالها قصة تأسيس الدولة السعودية، وصاغ لوحاتها الشعرية الأمير خالد الفيصل، الأمير بدر بن عبدالمحسن، نجلا المحيا (معتزه)، فهد عافت، ونايف صقر).
هذه عينه من الإنجازات المتعددة والمتسارعة في مختلف المجالات والتي تنفع الناس وتكرّس شرعية الدولة، وتؤكد أهمية تنميه الروح الإيجابية للمواطن السعودي حتى يواصل الاعتزاز ببلاده، وليكون جزءاً مهماً في مواجهة تحدياتها ومشاكلها.. ومستفيداً ومستثمراً من فرصها وخيراتها.