خالد بن حمد المالك
عندما كان الحوثيون يُطلقون صواريخهم وطائراتهم المُسيّرة في عدوان على بعض مطارات المملكة، وأسواقها التجارية، وتجمعات الناس، فيُستشهد من يُستشهد، ويُصاب من يصاب، ويتم تهديم ما يصل إليه سلاح العدوان، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلتزم الصمت، مع أنه لا عذر لها كونها الدولة العظمى، وإحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولها مصالح في استقرار دول المنطقة.
* *
بل إن أمريكا بعد فوز الرئيس جو بايدن بالانتخابات الأمريكية سارع بعد دخوله البيت الأبيض إلى رفع تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية حسب التصنيف الأمريكي، وكأن أمريكا تُشرّع للحوثيين بما يمارسونه من عدوان على المملكة، ولا ترى بأساً في استمرار هذا العدوان، بدلاً من تدخلها في وقفه ولو بالمفاهمات السياسية مع هذا التنظيم، لكنها لم تفعل لهدف في نفس يعقوب!
* *
وعندما تمّ الاعتداء على منشآت أرامكو، وكان هدفه ليس الإضرار بمصالح المملكة فقط، وإنما لتعطيل إمداد دول العالم بحاجتها من نفط المملكة، كان يُفترض بأمريكا أن تحدد الجهة التي انطلق منها ذلك العدوان، وهي تملك القدرة بأقمارها الصناعية على تأكيد نقطة انطلاق المسيرات والصواريخ، وتتبنى صدور قرار من مجلس الأمن لإدانته لكنها لم تفعل، وقد يكون لواشنطن حسابات أخرى ولعل لها عذرها ونحن نلوم، مع أنها تدعي بأن المملكة حليف إستراتيجي مهم للدولتين.
* *
لكن عندما قام الحوثيون بضرب السفن التي تتجه إلى إسرائيل - مع أننا لا نؤيد ولا نقر هذا الفعل- لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بالتنديد، ولا بالتصدي له منفردة، وإنما حشدت معها دولاً أخرى كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وغيرها، بل وزادت على ذلك بضرب مواقع للحوثيين في عدد من المدن اليمنية، دون تردد، أو إبطاء، أو تفكير بما ستفرزه هذه المواجهات مع حزب صنفته على أنه حزب إرهابي، ثم رفعت الغطاء عنه وأصبح ليس كذلك.
* *
المملكة لم تكن في حاجة إلى مساعدة أمريكا، فلديها من الإمكانيات والقدرات البشرية وآليات الدفاع المتطورة عن أراضيها وشعبها، ما مكنها من التصدي للهجوم الحوثي المتكرر، وحصره في عدد حالات محدود، مقابل قيام الجيش السعودي بالتعامل مع تصرفات الحوثيين، ودون حاجة إلى مساعدة أمريكا وحلفائها من الأوروبيين، مع تقديرها لتضامن الدول المشاركة معها في التحالف بقيادة المملكة.
* *
مرة أخرى، نحن ضد تعريض سلامة مرور الناقلات عبر البحر الأحمر، لأن في ذلك تعريضاً لمصالح العالم، وتأثيراً على التجارة الدولية، وإرباكاً وخطورة على الاقتصاديات العالمية، ولكننا ذكرناها فقط للتدليل على أن المواقف الأمريكية المتباينة مثيرة للانتباه، جديرة بالتأمل، فهذا التناقض يثير الريبة والشك في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية حتى مع من تدعي أنهم أصدقاء وحلفاء.