خالد بن حمد المالك
ثلاث سنوات مضت وانقضت على الحرب الروسية - الأوكرانية، ولا تزال في تصاعد مستمر، دون ظهور بارقة أمل على وضع حد لها لدخول جهات عدة أطرافاً في هذه الحرب ما عقّد الوصول إلى حلول ترضي الطرفين، وتمنع المزيد من الخسائر البشرية والمادية، وتالياً اتساع رقعتها إلى دول أخرى، والتلويح باستخدام الأسلحة النووية إذا ما تطلبت الحرب لها.
* *
وحده ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي استشعر مبكراً بمسؤولية بلاده، ودوره الشخصي المطلوب للوساطة بين الجانبين، وأعلن في أكثر من مناسبة عن استعداده للتدخل الحبي، ووضع خارطة طريق للخروج من مأزق هذه الحرب الدموية المشتعلة دون توقف، ووحده المقبولة وساطته والموثوق به كونه يحتفظ بعلاقات على درجة عالية من التميز مع الدولتين المتحاربتين، ووحده من يُرحب بجهده وعمله في هذا الشأن، كونه يتعامل بمسافة واحدة مع الطرفين، وبرغبة صادقة في إنهاء هذا النزاع الذي لا يخدم أي طرف، وتأثيره السلبي يصل إلى عدد من دول العالم.
* *
كان الرئيس زيلينسكي رئيس أوكرانيا قد زار المملكة في شهر مارس من العام الماضي، وشارك في القمة العربية العادية الثانية والثلاثين، وفي كلمة الأمير محمد بن سلمان خلال رئاسته لاجتماع القادة العرب أكد على موقف المملكة الداعم لكل ما يسهم في خفض حدة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وعدم تدهور الأوضاع الإنسانية، واستعداد المملكة للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ودعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة سياسياً.
* *
وفي كلمة الرئيس الأوكراني أمام القمة العربية التي عُقدت في جدة جدد شكره للأمير محمد بن سلمان، وقال إن سبب قدومه إلى المملكة للبحث عن السلام، والدعوة إلى مساعدة الشعب الأوكراني، مقدماً شكره للمملكة على جهودها فيما يخص إطلاق سراح الأسرى الأوكرانيين لدى روسيا، وهو ما يُظهر اهتمام المملكة بوضع حد لهذه الحرب، وصولاً إلى تحقيق السلام والأمن في هذا الجزء من العالم.
* *
واليوم يعود الرئيس فولوديمير زيلينسكي من جديد إلى المملكة في زيارة لها، ومحطته هذه المرة هي الرياض بعد أن كانت في المرة السابقة جدة، ليلتقي مجدداً بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فماذا يريد الرئيس من الرياض التي يزورها على رأس وفد كبير عالي المستوى، ليجري مباحثات مع الأمير محمد بن سلمان، استكمالاً لما بدأه حضورياً في جدة، وتواصله عن بعد مع سموه خلال الفترة ما بين الزيارتين؟
* *
من الطبيعي - أولاً - أن يأتي استقبال ولي العهد للرئيس الأوكراني استمراراً للجهود التي بذلها سموه، والاتصالات المستمرة التي أجراها مع القيادتين الروسية والأوكرانية منذ الأيام الأولى للأزمة الأوكرانية، وما أبداه سموه - ثانياً - من استعداد لقيام المملكة بمساعيها الحميدة للإسهام في الوصول إلى حل سياسي يفضي إلى سلام دائم، وهذا هو الموقف السعودي المعلن، ودورها المرحب به من الدولتين، ولا يزال الجهد يتواصل رغم تعقيدات هذه الحرب، وصعوبة تفكيك أسبابها، ومن ثم إيقافها.
* *
لقد اتخذت المملكة موقفاً واضحاً من الأزمة الأوكرانية، يستند إلى بيان الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، وأكدت دعمها لكل الجهود الرامية لحل الأزمة، من خلال الحوار، والطرق الدبلوماسية، بما يضمن إعادة الأمن والاستقرار، وتجنيب المدنيين التعرض للمزيد من الآثار المدمرة، والانعكاسات السلبية على أمن الطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد والتوريد، وكل هذا ينطلق من مكانة المملكة ودورها القيادي، وحرص الحكومة الأوكرانية على تعزيز التواصل مع القيادة السعودية الرشيدة، والتشاور حول الملفات والقضايا في هذا الملف، في ظل مستجدات الأحداث في جمهورية أوكرانيا.
* *
وهذا الموقف من الأمير محمد بن سلمان لا يمكن عزله عن اهتمام سموه البالغ بتبني المبادرات الإنسانية الرامية للتخفيف من التداعيات الإنسانية والأمنية للأزمة الأوكرانية، وفي هذا الإطار وضمن جهود ولي العهد، علينا أن نتذكّر أن المملكة كانت قد استضافت اجتماعاً تشاورياً لمستشاري الأمن الوطني في عدد من الدول الشقيقة والصديقة للبحث عن مفتاح لحل هذه الأزمة، وقد تم خلاله تبادل الآراء ووجهات النظر بين الدول المشاركة حول سبل حل الأزمة سلمياً، كما أولت المملكة اهتمامها إلى جانب الجهود السياسية بالجهود الإنسانية، فقدمت مساعدات إنسانية لأوكرانيا شملت المواد الإغاثية والمشتقات النفطية، وسيَّرت جسراً جوياً من المملكة إلى أوكرانيا يحمل موادَ إيوائية متنوعة.
* *
في هذه الزيارة للرئيس الأوكراني ركز ولي العهد على السبل الكفيلة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسياسية، لتجنب تداعياتها الإنسانية والأمنية والاقتصادية وقبلها كان هذا تركيز سموه أثناء زيارة الرئيس الروسي للمملكة في ديسمبر من العام الماضي في إطار جهود الرياض لإيجاد حل سلمي للأزمة، والوصول إلى توافق حول أطر وآليات هذا الحل من خلال الحوار، والاستفادة من علاقات المملكة المميزة وموثوقيتها مع طرفي الأزمة.