د. عبدالحق عزوزي
سعدتُ بالمشاركة في فعاليات المنتدى العالمي الثالث لثقافة السلام الذي أقامته مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية بعنوان «السلام العادل من أجل التنمية» بحضور صفوة من المفكرين والشخصيات من مختلف أنحاء العالم؛ وقد أكَّدنا جميعاً أن السلام العادل يحتاج إلى تنمية سياسية حقيقية وإرادة معاصرة وتسخير التقنية الحديثة في خدمة الجمهور العام، وإن رأس الحربة في السلام العادل هو التعليم النوعي المستنير الذي يتوجّب أن يكون مسايرًا للعصر.. وشددت التوصيات المنبثقة عن المؤتمر إلى أن الاقتصاد قائد للتنمية ودور القطاع الخاص في النهوض به دور حيوي، لذلك فإن العناية بالتشريعات الاقتصادية المحفزة لهذا التنوع وضبطها من خلال تعزيز ثقافة الادخار والاستثمار وتسخيرها لخدمة الجمهور العام. وشددت التوصيات على أن الثقافة لها دور محوري في ظلّ الأجواء السائدة اليوم والتي يتغشاها تضليل للرأي العام والزج به في صراعات تفتت المجتمع وتحرض على التعصب والكراهية ووليدهما التطرف والعنف، لذلك ينبغي الحض على ثقافة منفتحة ومتسامحة تتقبل الآخر وتؤمن بالحوار.
ومن منبر المنتدى ناشد سعود البابطين رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية بدعوة صادقة قادة العالم في كل مكان أن يبذلوا كل ما في وسعهم لنشر السلام العادل والذي يعد حق للبشرية جمعاء بل هو الحق الجامع لكل حقوق الإنسان.
وأكد البابطين أن جهودنا من أجل تحقيق ذلك إنما هي جهود جماعية مشتركة تفاعلية، تختص بها مؤسسات حكومية ودولية ومدنية مختلفة، ونحن متفقون على هذا التمشي الجماعي، لذلك لا بد من إيقاظ الضمائر لأن التاريخ لن يتسامح مع كل من أخطأ في حق الإنسانية.. ولا تزال الفرصة متاحة أمام الجميع لاتخاذ خطوات جادة باتجاه المسار الصحيح. وفي جلسة خاصة مخصصة عن المرحوم عبدالعزيز سعود البابطين الذي وافته المنية منذ أشهر معدودات، وهو مؤسس مؤسسة البابطين التي بدأت عملها منذ عقود إلى أن أصبحت مثالاً ونبراساً يستضيء منه الخاص والعام؛ تناولت الكلمة وقلت شهادة في حق المرحوم الذي ستظل شخصيته سجية الليالي، ملهمة للكثير، موحية بالكثير، لأنها معدن لا ينفد بعد أمد من الاستمداد قصير، ومنبع لا ينضب على كثرة الاستسقاء والارتواء، ومنار استوى في الاستمتاع بإشعاعه الصغير والكبير من مرتادي حاله وأكنافه، والأصفياء من ملازميه وأصحابه، في بأسائه وسرائه وضرائه؛ ولقد أحس الجميع يوم نعاه إلينا ناعيه بأن الوطن العربي بأسره فقد باختفاء عبدالعزيز سعود البابطين -رحمه الله - والتحاقه بالرفيق الأعلى، أحد أبناء الوطن العربي الذين أسدوا إلى أمتهم أعز وأنفس ما يسديه ابن بار، وضغطوا على التاريخ ورسموا على مسيله ومجراه طابع التأثير الذي يحدث التغيير، وينتهي به المطاف إلى التبديل والتحويل، طواه الردى عنا والأمل معقود بامتداد حبل حياته، وحاجة الوطن ما زالت ماسة إلى وجيه رأيه وصائب نظره وجميل تأتيه، وحميد مسلكه ومسعاه...
وبوفاة هذا الرجل الكبير، فقدت الكويت، وفقد الخليج والعالم العربي، رجلاً فذاً يُعدُّ صرحاً للأدب والشعر، وحاضناً للإبداع الشعري العربي، ومجدداً لمسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات، ورجلاً ساهم في ترسيخ قواعد ثقافة السلام، وهو رجل الأعمال الذي وهب حياته وسخّر جزءاً كبيراً من ماله لرعاية الأدباء وتنظيم الأنشطة الثقافية والمواسم الثقافية في جول العالم. سعدت بمصاحبة هذا الرجل في المغرب وفي أنحاء كثيرة من دول المعمور؛ وتشرفت باستقباله عندي في البيت في مدينة فاس التي كان يعشقها؛ وتشرفت بترشيحه للجائزة المتوسطية للفكر والسلام التي فاز بها في مدينة نابولي الإيطالية؛ وشاركت معه في العديد من الملتقيات الدولية التي نظمها؛ ولا أتذكر يوماً أننا طرقنا بابه لمواكبة بعض أعمال الخير إلا واستجاب لها دون تردد..
وقد قضى حياته، رحمه الله، ناسكاً في محراب العلم والشعر والعطاء، وفي خدمة الثقافة والأدب ورعاية الإبداع الشعري في العالم العربي، وهو كان رئيس مجلس أمناء مؤسّسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافيّة، ورئيس مجلس أعضاء مؤسّسة البابطين الثقافيّة بالاتّحاد الأوروبي. كما كان عضوا في العديد من المجالس والجمعيّات والرابطات الناشطة في مجالات متعددة، وله العديد من الدواوين والمنجزات الفكرية والتنموية..