ميسون أبو بكر
شخصية مثل الشاعر عبدالعزيز بن سعود البابطين هي عصية على النسيان أو الفقد وإن رحل الرجل إلى جوار ربه فإن أثره باقٍ وصنيعه منارة يستدل بها عليه، فهو رجل ملأ الدنيا بحضوره ونشاطه الثقافي منذ وقت مبكر لم يسبقه في هذا المجال أحد، رجل بحجم دولة تبنى فكرة الدعوة لسلام الأديان فاجتمع حوله من آمن بمشروعه الكبير من الأصدقاء والأحبة ودعاة السلام، ثم جعل للشعر النصيب الأكبر فاجتمع الشعراء معه وحوله في مؤتمرات عديدة ومهرجانات عظيمة حفظت لديوان العرب مكانته وللشعراء اعتبارهم.
ولأن الذي يزرع نبتاً طيباً فإن حصاده كبير؛ والذي ينجب البارين من الأبناء لا يموت ولا تخبو ذكراه؛ فقد ترك أبو سعود إرثاً سيبقى يذكّر بالرجل الذي قال عنه ولده سعود في كلمته في المنتدى الثالث بالقاهرة الأسبوع الماضي: «كان يؤمن رحمه الله بأن السلام العادل هو مسار بناء دائم يجب ألا ننقطع عنه، وبما أن الإنسانية مشروع يظل أبد الدهر يكتمل فإن السلام العادل هو أداة استمرارها فهو الضمان الوحيد للإنسانية من أجل البقاء والنماء والازدهار».
الشاعر البابطين لم يدخر وسعاً لأجل نشر ثقافة الإسلام العادل، والمنتدى العالمي الثالث لثقافة السلام العادل الذي عقد بعد رحيله وحضره جمع من رؤساء الدول وأصحاب المعالي والسمو والمثقفين والشعراء في القاهرة لم يكن ملتقى تأبينياً فحسب عقب رحيله بأسابيع؛ إنما هو رغبة أبنائه لإتمام ما بدأ به إحياءً لذكراه وتحقيقاً لرغبته وإحقاقاً للسلام وتكريماً للشعر والشعراء.
عبدالعزيز البابطين.. هو الشاعر الذي كانت قصيدته تأشيرة سفر للعالم، وكانت منارته الثقافية نوراً يستدل به أصحاب الثقافة ودعاة السلام كان مجلسه ديوان أهل الفكر وعكاظية لمن يجتمعون حوله يتناقشون ويتعاكظون، فأعاد إلى الأذهان عكاظية شعراء الجزيرة.
هو الرجل الذي كرّمته أهم جامعات العالم بمنحه الدكتوراه الفخرية منها تقديراً لجهده الدؤوب في مجالات العلم والتعليم، وهو الذي حطّ برحاله وقوافل المثقفين ودعاة السلام في عشرات العواصم العالمية.
وهو المقناص الذي أعجبه القنص عالمه الخاص الذي كان ينفرد من خلاله مع الطبيعة والصحراء عشقه الأكبر، وهو الراوي الذي يعود بعد كل رحلة بروائع القصص والكثير من الأحداث، هو المسافر في القفار ينشد أغنيات الفيافي والصحراء.
رحم الله فقيد أمتنا العربية، وقدّر أبناؤه وعائلته للمضي فيما بدأ به وحمل شعلة لم تنطفئ يوماً.