سهام القحطاني
«المسرح الوجه الآخر للحياة».
ومع تطور أساليب التعلّم وطرائقه ظهر مصطلح «مسرحة المناهج».
ويعرِّف الدكتور كمال الدين حسين المسرح المدرسي في كتابه المسرح التعليمي المصطلح والتطبيق «إعادة تقديم الموضوع التعليمي بشكل غير مباشر من خلال وضعه في خبرة حياتية، وصياغته في قالب درامي.. في إطار عناصر الفن المسرحي؛ بهدف تحقيق مزيد من الفهم والتفسير».
وهناك مصطلح آخر لمسرحة المناهج وهي «الدراما عبر المناهج أو الدراما التعليمية» تعتبر الممثلة المسرحية البريطانية دوروثي هيثكوت هي أول من شرّعت أصوله.
ونظراً لأهمية المسرح المدرسي في التكوين السلوكي والمعرفي الصحيح والإيجابي للنشء بما يحقق خلق مواطنة صالحة وداعمة لاستدامة التنمية في كافة المجالات، اهتمت الدول من خلال مؤسسات التعليم بإدراج المسرح المدرسي كوسيط تربوي يجمع بين الترفيه والتوجيه وتكوين القيم.
والكثير منّا يظن أن المسرح المدرسي حديث العهد في المدارس السعودية، وهذا ظن غير صحيح؛ فالمسرح المدرسي له تاريخ طويل المدى يعود إلى عام 1354هـ عندما زار المؤسس الخالد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- القصيم وحضر في مدينة عنيزة المسرحية المدرسية «كسرى والوفد العربي».
ومع الريادة القوية للمسرح المدرسي الذي أسهم فيما بعد في نشأة ترسيم المسرح السعودي بشكل عام على يد أحمد السباعي عام 1960م، إلا أنه ظل غائباً على مستوى الحضور الفعلي والتأثير في المدارس السعودية لزمن طويل، لارتباط المسرح بجدليات فقهية، غاب عن الضوء في المدارس، رغم وجود حضور على استحياء في مدارس البنين.
واليوم ورغم النقلة التنويرية للتعليم تحت مظلة رؤية 2030 إلا أن المسرح المدرسي ما زال في تقييم «الحضور على الاستحياء» وأظن أن لهذه الدرجة من التقييم ما يبررها.
لا تقتصر أهمية المسرح المدرسي على اكتشاف مواهب الطالب/ة في مجال الكتابة والنقد وفنون المسرح واستثمارها فيما بعد في حركة التنمية الثقافية والفنية على المستوى العام للبلد، بل وهو الأهم تكوين الاتجاهات الإيجابية وتنمية القيم الوطنية والفكرية والاجتماعية، وتعديل السلوك والتوجهات الفكرية الخاطئة بطريقة غير مباشرة من خلال خلق تجارب درامية موازية للتجارب الحياتية في واقع الطالب/ة، فالدراما من خلال المسرح المدرسي خير علاج للمشكلات الفكرية والسلوكية للطالب/ة؛ لأنها تدخلهما في عالم محاكي لتجربة جاهزة، تحقق لهما فرصة التزامنية من خلال أشخاص ذي واقع مرئي أمامه على خشبة التجربة، وهو ما يعطي تلك التجربة مصداقية لنتائجها، لتُصبح بمثابة تغذية راجعة لمنظومته التربوية والفكرية والسلوكية. إن هذا الأمر أشبه بمقولة «إن الناس تؤمن بما ترى، فدعهم يروا».
ومع هذه الأهمية للمسرح المدرسي إلا أن فوائده غائبة رغم حضوره، وتعددت أسباب هذا الحضور الغائب ومنها:
* الرؤية الحصرية: علينا أولاً أن نفك الحصرية بين المسرح المدرسي وفكرة أنه مجرد نشاط ترفيهي ثانوي، أي علينا توطين ثقافة قيمة المسرح المدرسي ومركزيته في المدارس، وهذا الأمر لن يتحقق إلا من خلال خطة تنظيرية وإبداعية وميدانية لأدب المسرح وفنونه، وذلك التفكيك الحصريّ لا بد أن يبدأ بتخصيص إدارة مستقلة للمسرح المدرسي وفنونه خارج وصاية النشاط الطلابي الذي همّش المسرح المدرسي في زحمة خططه الفاشلة حيناً على مستوى الميدان.
* غياب الشراكات الثقافية والفنية بين إدارة النشاط الطلابي والهيئات المتخصصة في هذا المجال.
* غياب قيمة المسرح عند الطالب/ة، وهذه المشكلة لا يُمكن أن تُحلّ إلا من خلال توفير قيمة اعتبارية له؛ كأن يكون جزءاً من ساعات العمل التطوعي، أو من مقررات المواد الحرّة، أو مشاريع التخرج في الثانوي.
ونشاطات التعلّم الإجبارية في المرحلة المتوسطة، وخصوصاً أن هذه المرحلة الأشد حاجة للمسرح المدرسي لاستثمار خصائص نموهم المفعمة بالطاقة والتي قد تكون مفتوحة على تقبل الفكر الضال وسلوكاته.
* غياب العقلية المبدعة في هذا المجال سواء في المدارس أو إدارات النشاط الطلابي، ولا أقصد بالغياب عدم الوجود، بل عدم توفير فرص لتمكين المواهب من المعلمين والمعلمات في هذا المجال سواء على مستوى الكتابة أو الإشراف.
وهذا الغياب على مستوى النشاط الطلابي حوّل المسرح المدرسي إلى مجرد نشاط عابر لا يحظى باهتمام حقيقي، في حين أنه جامع للمواهب.
* غياب الشكل المسرحي في المدارس وخاصة مدارس البنات، فكثير من المدارس لا يوجد فيها مسارح، والمسرح خشبة إن غابت غاب المسرح.
إن المسرح المدرسي يحتاج إلى ما هو أكثر من تعميم يُرسل إلى المدارس لمنحه قبلة الحياة، بل يحتاج إلى قلب وعقل جديدين؛ من خلال الخطط والإمكانيات والتدريب، وفاعلية الشركاء في ذات التخصص، ليتحرر المسرح المدرسي من دائرة الحضور الغائب.
أعطني مسرحاً مدرسياً فاعلاً أعطك جيلاً ناهضاً بالمجتمع.