د. شاهر النهاري
نافورة ضياء فوارة خضراء نبعت وسط الرمال على شكل نخلة عملاقة احتضنت خصوبتها جبال الدرعية ووادي حنيفة، ثم تنقلت كالضياء يتراقص، وانسابت خيرات صفائها تروي عطش سواقي هضبة نجد وبيوت طين اليمامة وشعاب الرياض وتسافر للحوطة والقويعية، ثم تنبري تلملم خفوس الخرج وخضرة الدلم وبراح الزلفي وخضار السليل، وتعود لميادين ضرما، والمزاحمية، وتطول تمور بريدة وعنيزة ورحيب سماء حائل وعذوق البكيرية وعيون الجواء وأودية الأسياح والشماسية، بعدوى انصباغ وتمكن الطيب والتكاتف، قبل أن تطول البعيد، وتطوي العوجاء، ويرتسم غزل سعف حدودها بكل ركن سعودي، من عنب ورمان الطائف وتمرات عجوة المدينة المنورة وشموخ قداسة جبال مكة المكرمة وزرقة سواحل جدة وبكر جزر ينبع والقنفذة، إلى حرز رفحا وعرعر والجديدة وحقل تبوك والدرة وضباء والجوف وآثار تيماء ومدين والعلا، ومنها ودون ترتيب إلى جبل فيفا وقهوة تهامة جازان، ووادي بيش، والدرب، وجروف أحد المسارحة ورمال شرورة وطلح الطوال وخضرة علب والوديعة وزبيب أخدود نجران وتمور وأقط وادي الدواسر والخماسين وقلاع وحصون أبها وتينها ورمانها، وضمك الخميس وإبل تثليث والسراة وعنبات قرية عين الباحة وشاهق حسن قمم تنومة ولوز سبت العلايا، إلى لؤلؤ الدمام وسكينة الخبر ودرر وسعف القطيف، وأشرعة مراكب الهفوف وشباك صيد سيهات ورحيمة ورمال شواطئ ومنفذ الرقعي ومزارع الخفجي، إلى عين سلوى وقلب البطحاء وعوالم مفاجآت وكنوز كثبان الربع الخالي.
مفهوم التأسيس كان بداية رسوخ وانبثاق وتوسع وثبات وتجمع، والتئام وتكامل وتناسق وتوحد، ولم يكن رغم غيابه المرحلي ينتهي، بل يتصل ويزداد متانة وعزيمة وفداءً وتضحيات، بروح تظل موجودة مشحونة، والحكايات تنبثق أيقونات در مسبحة سحرية معقودة بالأمل مستمرة على مدى ثلاثة قرون، تفيض بالاندماج والرحمة والقربى، واليقين والنضال والذود والحماية للثرى، والحواشي والسماء، وكتابة التاريخ بأذرع وسيوف ودماء وحروف أبناء وطن يأبى الرضوخ، متعالياً بيقين المؤمنين المتأملين، وقلوب أبوابها مشرعة، تعزف نبضاتها الباحثة عن كينونة فقدتها لفترات من الزمان، ولكنها بعد كل منعرج تاريخي صعب، تعود بيقينها وتلملم رغد البركات من زمزم إلى فوارات عيون الأحساء والخرج، ومن تهادي الأرواح لشواطئ ومرجان وسهول البحر الأحمر إلى رجع أصوات أمواج الخليج العربي، سيمفونية تتناغم بكل تكامل كينونة هذا الوطن المشبع بالخيرات، والمعاني والإنسان، فمن تربة وادي تثليث إلى بيشة الخير والنخيل، ومن سيول وغيل أودية الحمض والرمة وفاطمة والخر، والمراء وأبو القور والرشاش، ومن شقار كثبان الدهناء إلى فقع الصمان، خصوصية سعودية تعود وترتسم بعمق وحدود تنوعات دولة تاريخ فسيحة قوية غنية متماسكة، تتعالى، والصحائف تشهد والعقول والأنفس تحكي متعانقة بحبٍّ وتآخٍ وتقارب من مركزية قلب ذرات مهل الجزيرة، إلى شموس وعرعر وطلح قمم جبال السروات في شمرخ والسودة، وغاباتها المطيرة، وشموخ جبال مدين، والحجاز، وتماسك جلاميد فرواع والسقى ومشرف وصولاً لعزة جبال طويق وأجا وسلمى والعارض، وشموخ قمة اللوز، وتقارب جبل شدا بين تهامة والسهل العسير.
يوم التأسيس وقفة شعبية سنوية تشير إلى كينونة وضع حجر الأساس، الراسخ «يوم بدينا»، وبخط حرير العربي، يرسم الشعار بخمسة رموز ذات دلالات: فشكل التمور دليل النمو والحياة والكرم، والمجلس: يحكي الوحدة والوئام الثقافي المجتمعي. والتواريخ: تؤكد عمق الهوية المرئية، والنمو والحياة والكرم، والحصان العربي: يموق مفتخراً بفروسية منقوشة على بطولات وشجاعة وطنية شعب حارب وضحى وبنى. والسوق: دليل الحراك الاقتصادي والتنوع والانفتاح على العالم، هوية مرئية بصرية تزيد بما تحكيه وما تؤكده من معلومات وأثر.
يوم التأسيس بدأ برؤية وطموحات أمير الدرعية محمد بن سعود حيث وضع النقاط على الحروف، فوق مجريات الزمان، وإقرار البداية، وبناء الواقع، ومغازلة المستقبل، حتى قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بإصدار مرسومه الملكي بتثبيت يوم 22 فبراير من كل عام، يوماً وطنياً للتأسيس، يرمز للعمق التاريخي الحضاري والثقافي للوطن السعودي، تشع أنواره بأعيننا لنحكي الحكاية، للأجيال القادمة، ونعيش وطناً للخير متكاتفين طالما امتدت بنا الأيام، لنتذكر ونزداد فخراً بوحدتنا بين سائر الأمم.
الحكاية جميلة، والنهاية سعيدة، والاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية سمة، والترابط الوثيق بين المواطنين وقادتهم، ديدن فخر بما أرست الدولة السعودية الأولى من الوحدة والاستقرار والأمن، وتأكيد واقع صمود الدولة السعودية الثانية ودفاعها المستميت عن مبادئها أمام الأعداء، حتى بلغنا حدود الاعتزاز الحالي باستمرار الدولة السعودية الثالثة واستعادتها لقوة جذورها وقادتها، وتأكيد وتمجيد وتعظيم الوحدة الوطنية للمملكة العربية السعودية، على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وما تبعها من إنجازات الملوك أبنائه المبدعين في تسيير الأمور على نهجه، وتعزيز العطاء والبناء وتوطين الوحدة بين شعب محب مع حكومته المتفانية من أجل سعادته.
أيام تفاخر، ولا بد من التفريق بين يوم التأسيس 22 فبراير 1727م، يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد المؤسس الإمام محمد بن سعود، وبين اليوم الوطني السعودي 23 سبتمبر1932م يوم إعلان توحيد أجزاء المملكة العربية السعودية على يد الموحّد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.
دامت أيامك يا سعودية الخير، بيوم التأسيس الحكاية الملحمية، وحكومة سعودية النهج تقود، بتأريخ الأجداد، ملوك وأسر وشعوب وقبائل ومجتمعات، تتقاطر ضمنها أفواج الشباب الواعد، بغايات النهوض والطموح، والاستفادة من الخيرات، وتوطين العلوم، وحوز القوة والبناء والإبداع، والذود عن حدود الوطن ومقدساته، والتميز بين شعوب المحيط العربي، وشعوب الدول المتقدمة، يدهشون ويرتقون، ويطمحون أكثر، ويثبتون أن البذور الطيبة المزروعة في يوم التأسيس، ما تزال تنبت البذور الطاهرة، وتعطي الثمر الطيب السليم والطلع الأخضر والقلوب المتآخية التي لا ترضى عن وحدة الوطن السعودي أي بديل.