خالد محمد الدوس
يعد انحراف الأحداث من الموضوعات الخطيرة والشائكة التي شدت اهتمام الباحثين الاجتماعيين والتربويين والنفسيين, خاصة وأنه يتعلق بشريحة مهمة من شرائح المجتمع، فخطورته تكمن في أنه يتعلق بحدث لم يبلغ بعد سن الرشد، لذا أصبح يشكل تهديداً لسلامة وأمن المجتمعات، وآثاره السلبية على الحدث المنحرف نفسه وحتى على المحيطين به، وهو يعتبر ظاهرة عالمية لا يختص بها مجتمع عن غيره، وإنما تختلف حدته وانتشاره حسب طبيعة المجتمعات، وتعددت الأسباب التي أدت إلى ظهوره نتيجة التطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العصر الحالي، الذي اتسم بشدة الضغوط (النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية) والتي ألقت بظلالها على كافة جوانب حياة الفرد ما أثر سلباً عليه، إضافة إلى المرحلة العمرية الحرجة التي يمرون بها والمتمثلة في المراهقة والتي لها خصائصها ومتطلباتها، وعدم إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية والعاطفية جعلتهم ينحرفون عن السلوك السوي، فضلاً عن التغير الاجتماعي وتحولاته الذي يشهده المجتمع المعاصر، الانفتاح العالمي، التطور التكنولوجي والعلمي الهائل في عالمنا اليوم، وكذا غياب دور الأسرة في خضم الأحداث الواقعة وتحدياتها كلها عوامل ساهمت في حدوث هذه الظاهرة عالميا.
ومن المؤلفات الثرية التي تناولت هذه الظاهرة المجتمعية كتاب ( انحراف الأحداث وتأهيلهم) للمؤلف والخبير في علم اجتماع الانحراف والجريمة الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز اليوسف عميد كلية العلوم الاجتماعية وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-.
فقد تناول الفصل الأول مشكلة الدراسة وأهميتها ومنهجيتها وأهدافها ومفاهيمها, في حين استعرض المؤلف في الفصل الثاني.. فلسفة العقاب وأغراضه بالإضافة إلى مناقشة مبادئ الأمم التوجيهية لمنع جنوح الأحداث وانحرافهم.
وقد قسم الباحث الفصل الثاني إلى ثلاثة مباحث أساسية حيث عالج المبحث الأول فلسفة العقوبة وأغراضها وعالج المبحث الثاني النظام العقابي في الإسلام وأخيراً عالج المبحث الثالث مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث.
وفي الفصل الثالث فقدخصصه الباحث لاستعراض أبرز الاتجاهات الاجتماعية والنظريات العلمية المفسرة للانحراف من خلال القراءة السوسيولوجية بالإضافة إلى استعراض بعض المتغيرات الاجتماعية المؤثرة على انحراف الأحداث.
أما في الفصل الرابع خصص لتناول معاملة الأحداث الجانحين ونشأة دور الملاحظة في الدول العربية.
أما في الفصل الخامس تناول فيه المؤلف بخبرته العلمية وتخصصه الدقيق وحسه السوسيولوجي الرفيع.. متطلبات العلاج والإصلاح للحدث المنحرف من خلال استعراض كيفية تصنيف الأحداث والمتطلبات الضرورية لنجاح التأهيل والمبادئ الأساسية لتفعيل عملية التأهيل والعاملين مع الأحداث والرعاية النفسية والاجتماعية للأحداث.
وفي الفصل السادس والأخير خصص لاستعراض الرعاية اللاحقة للأحداث من خلال استعراض مفهوم الانحراف ونماذج تطبيقية للرعاية اللاحقة في الدول العربية.
والأكيد أن الأحداث هم نواة المجتمع البشري إذ أن المرحلة التي يمر بها الحدث مهمة جداً في بناء شخصيته وتنشئته التنشئة الاجتماعية السليمة وتحديد سلوكه المستقبلي, ولهذا فإن رعاية الأسرة لهؤلاء الأحداث أساس مهم وركيزة لبناء المجتمع الإنساني بشكل متوازن بعيداً عن مسار الانحرافات السلوكية والاضطرابات الاجتماعية, ويهيئ سبل الابتكار والتجديد والتمسك بالأخلاق الفاضلة والقيم الاجتماعية الأصيلة. لذا فإن تهيئة الظروف الاجتماعية الملائمة وتدعيمها بتنشئة اجتماعية سليمة ضمان لتوجيه طاقاتهم نحو أهداف سامية وغايات مجتمعية صالحة.
الكتاب إجمالاً ناقش دراسة تأهيل الأحداث في العالم العربي من خلال تحديد مفهوم الأحداث والتأهيل بالإضافة إلى مناقشة فلسفة العقاب وأغراضه واختلافاً التعامل مع الأحداث على مستوى الوطن العربي والرعاية اللاحقة المقدمة للأحداث وبرامجها المتنوعة, فضلاً عن مناقشة آليات التعامل مع الأحداث ومواصفات العاملين معها بما يساهم في تعديل الجوانب المعرفية والوجدانية والسلوكية المرتبطة بممارستها لديهم.