هي العمارة التقليدية في المنطقة الوسطى (نجد) في المملكة العربية السعودية، وتعتبر جزءًا مهمًّا من التراث الثقافي حيث تعكس نمط حياة أهل نجد المحافظ والمبدع في تصميم بيوت تتكيف مع البيئة الصحراوية والمناخية القاسية وتميزت ببساطة التصميم المستوحى من جمال منظر الصحراء حيث استخدمت مواد محلية (صديقة للبيئة) هي الطين والحجر والجص وأشجار الأثل والنخيل.
وتتميز العمارة النجدية بالفناء الداخلي للمحافظة على متطلبات أهل البيت ونمط الخصوصية التامة لسكان المنزل، كما أنهم أبدعوا في توظيف مصادر الطاقة المتجددة الطبيعية (أشعة الشمس، والهواء، والأمطار، والتربة) بمعرفة اتجاه الشمال قبل البناء لتحديد الاتجاهات المناسبة لأماكن أقسام البيت.
فتصميم البيوت النجدي مبنيٌّ على أهمية تحقيق التكيف مع المناخ الصحراوي شدة برودة الشتاء وارتفاع درجة حرارة الصيف وملاءمة العيش في البيت النجدي في الحياة اليومية مع تعاقب الليل والنهار مثل أهمية دخول أشعة الشمس والتهوية والإنارة الطبيعية داخل الغرف وتوقيت انكسار أشعة الشمس وتوفير الظل لجلسات باردة في الفناء الداخلي.
وتعتبر منطقة (نجد) هي قلب المملكة وأبرزها منطقة الرياض ومنطقة حائل ومنطقة القصيم ومنطقة ووادي الدواسر. ومن أهم معالم المباني النجدية التراثية في منطقة الرياض قصر المصمك، قصر الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض، أسوار وبوابات الرياض القديمة، قصور الملك عبدالعزيز في المحافظات و المساجد التاريخية بالرياض التي يعمل حالياً ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان عراب الرؤية على ترميمها وتطويرها للمحافظة على طرازها وغيرها من الشواهد التي لها قيمة حضارية في العمارة النجدية.
يعد قصر المصمك المعلم التاريخي الأبرز كحصن وقلعة في العاصمة الرياض لارتباطه بتاريخ تأسيس المملكة، ولروعة بنائه، وبما يحويه من متحف يستقطب الآلاف من السياح من داخل المملكة وخارجها.
مكونات بناء العمارة النجدية:
استخدمت في العمارة النجدية تقنيات بسيطة في البناء لتوفير المسكن المريح الذي يحقق كل متطلبات الأسرة النجدية حيث تقوم على مواد بناء رئيسية من البيئة في منطقة نجد.
وأهم تلك المواد الطين والحجر وشجرة الأثل، حيث يتم الحصول على الطين من حواف الأودية, ويتميز الطين بأنه مادة عازلة طبيعية فيحفظ درجة الحرارة داخل المنزل منخفضة فترة الصيف الحار ودافئة أثناء صقيع البرد في الشتاء.
كانت البيوت تبنى من الطين المقوى بخلطها مع أعواد التبن وتسقف بجذوع الأثل وسعف النخيل، حيث يتم بتخمير الطين بالماء فترة معينة يوم - 3 أيام حيث يخلط الطين مع التبن فيحرك الخلطة حتى تكون لزجة ومتماسكة وتوضع بقوالب خشبية أطوالها بحدود 20 ×30 سم وارتفاع 8 سم، حيث يوضع الطين في هذا القالب وتسمى (اللّبن) وتكون جاهزة للبناء.
ويتكون السقف من خشب شجر (الأثل) وهو نوع ينمو سريعًا في منطقة الجزيرة العربية ولا يحتاج لكثير من العناية، حيث توضع بشكل متوازن وفوقها تصف (العسبان) مفردة عسيب وهو غصن النخلة بعد أن يتخلصوا من ورقه (الخوص).
مكونات أقسام البيت النجدي:
تتميز البيوت النجدية بتقسيمات داخلية بمسميات معينة حسب طبيعة وظيفة كل قسم، وتختلف هذه التقسيمات حسب حجم ومدى إمكانيات كل أسرة منها:
1) القهوة
وهي عبارة عن مجلس لاستقبال الضيوف وتجمع الرجال في المناسبات والزيارات ولتقديم القهوة والشاي الأكل. وهي ما تسمى حاليًّا (الديوانية) وعادة تكون مزخرفة ومزينة حيث إنها مخصصة لاستقبال الضيوف ويتكون المجلس من جلسة أرضية ومساند للظهر ومراكي لأكثر راحة للضيوف والاتكاء عليها أثناء الجلوس وتكون أرضيات المجلس مفروشة بـ ( الزوالي) سجاد لإعطاء المكان شعوراً بالدفء والراحة وغالبًا ما تكون زوالي من الصوف الهندي المغزول يدويًّا أو بساطًا حسب إمكانيات صاحب البيت مع الاستخدام في تزيين المكان بالسدو وهو أحد أنواع النسيج التقليدي في شبه الجزيرة العربية.
وتزين حوائط المجلس بزخارف محفورة بالجص بأشكال جمالية تثري المكان لاستقبال الضيوف تجويفات مثلثة الشكل لدخول الإنارة الطبيعية داخل المجلس أو مصمتة يوضع فيها سراج للإنارة وقت المساء.
2) الكمار:
عبارة عن رفوف منقوشة ومزخرفة مبنية من الجص الأبيض بجوار (الوجار) بطول متر إلى متر ونصف تقريبًا، ويصل ارتفاعها إلى أربعين سنتمترًا وتستخدم بصف الدلال والأباريق الأثرية بشكل جمالي موزون لإظهار معالم الكرم وحسن الترحيب والضيافة واستقبال الضيوف.
الدكَه: غرفة صغيرة، طولها بعرض مجلس الرجال، أما عرضها فلا يتعدى المتر والنصف تقريبًا، وتملأ بالحطب والفحم وقد يكون لها باب صغير مفتوح يكون خلف الجالس في صدر المجلس.
3) الليوان :
وهو رواق من الأعمدة في فناء داخلي بغرض تظليل جدران البيت النجدي المطلة على الفناء من أشعة الشمس المباشرة. وغالبًا ما يكون بجانب (القهوة) ويستخدم للجلوس فيه للتنعم بجلسة لها ظل أثناء انكسار أشعة الشمس حيث يفضل أن تكون من جهة الشمال للتنعم بتيار هبوب الهواء البارد في فصل الصيف وتكون الأعمدة مبنية من الطين وأحجار صلبة تكون دائرية الشكل.
4) الموقد (المطبخ)
وهو مكان في البيت النجدي لطهي الطعام وإشعال الحطب لعمل أشهى المأكولات الشعبية مثل المرقوق والقرصان والجريش ويتم وضع الأدوات للطهي حيث يبنى داخله (التنور) ومثل الفرن لصنع وخبز الخبز، و(الرحى) وهو حجران دائريان لجرش وطحن القمح، (المقرصة) والتي تُستخدم لصنع القرصان والذي هو من أهم العناصر الأساسية لصناعة للمأكولات الشعبية.
5) القبة:
وهي عبارة عن صالة للأسرة تجتمع فيه العائلة وتستخدم فيه للأكل والشرب ويسمى (المقلط) وتكون قريبة من المطبخ ويختلف تصميم البيوت النجدية حسب عدد أفراد الأسرة والإمكانيات المادية.
6) الصفة:
وهي غرف بنوافذ صغيرة في الأعلى تغلق في فصل الشتاء لتكون دافئة ومريحة تستخدم للنوم والبعض يستخدمونها مخزنًا للطعام.
7) الروشن:
الروشن هو غرفة علوية مستقلة أو أكثر من غرفة وتكون في الدور العلوي من البيت النجدي كمجلس إضافي ويقوم أهل البيت بإعطائه عناية خاصة أهمية بمن سيستقبل به فربما يستخدم لاستقبال الضيوف والمبيت فيه، وقد يقطنها المتزوجون.
8) الحوش:
هو مساحة من أرض البيت النجدي يستفاد منه في زراعة الأشجار والنخيل وتربية المواشي.
9) العريش:
العريش في البيوت النجدية القديمة هو مكان مفتوح على حوش البيت ويجلس فيه أهل البيت بعض الأوقات ويتكون من أعمدة معروشة بجريد النخل وخشب الأثل وتكون الأرضية مفروشة بالرمل أو البطحاء وتعلق فيه (القربة) ويفرش بالحصير المصنوع يدويًّا من الخوص (سعف النخل).
10) السطح:
استغل النجديون أسطح المنازل بشكل كبير في ليالي الصيف الحار خصوصًا في المبيت ليلًا، ومن المهم في بناء السطح أن يكون هناك ميلان في مستوى السطح حتى يساعد في تصريف مياه الأمطار من خلال وضع المثعب ( المزراب) صورة.
11) المشراق:
يعتبر المشراق من الأماكن المحببة لكبار السن حيث يجتمعون فيها ويلتقون بأصدقائهم في أول ساعات النهار لتجاذب أطراف الحديث، والمشراق هو عبارة عن جلسة مبنية تحت جدران بيوت الطين.
تفاصيل معمارية نجدية:
1) الشرف:
تتميز بيوت الطين النجدية بتفاصيل جمالية ووظيفية مثل وهي (الشرف) وهو شكل هرمي مكون من تدرُّج ثلاث طبقات من (اللّبِن) وهو نفس اللبن المبني من الحوائط، وغالبًا من ثلاث طبقات توضع فوق بعضها بمقاسات معينة لتشكل الشكل الهرمي بشكل متوازن ثم تغطّى بطبقة ملساء من الجص لإعطائها شكلًا جماليًّا.
ومن الأهداف الوظيفية للشرف هو توفير الخصوصية لأهل البيت وتعمل كما كانت درعًا لمن يستتر خلفها في الحروب، وهي تعمل على المحافظة على الجدران الطينية في تقليل ضغط كمية الأمطار الساقطة وكذلك تخفيف حدة تيار الهواء لتوفير تهوية جيدة مناسبة.
ومن الأهداف الجمالية أيضًا أنه منظر الشّرَف يعطي إحساسًا بالرفعة والسمو، وتباين جمال الشرف الأبيض الهرمي مع لون الطين وهو ما يميز هوية البيوت النجدية.
2) الجصة :
هو مكان مخصص لحفظ كمية التمور في وقت موسم ( الخراف) بجودة عالية طول فترة السنة. وهي غرفة صغيرة من الجس ولها باب خشبي من الأعلى يتم في رص التمور وضمده داخلها بعد تنظيفه، ثم يتم بناء حوض يُسمى بالمدبسة وهو تجمع الدبس المتكون من التمر أثناء تخزينه داخل الجصة.
وغالبًا ما تكون في غرفة حفظ الأرزاق مثل الصفة وتعتبر الصفة من الأساسيات الضرورية في كل بيت نجدي.
3) أبواب البيت النجدي:
اعتمدت صناعة أبواب البيوت النجدية على خشب (الأثل) بعد تقطيعها بشكل ألواح مستطيلة وتثبيتها بعوارض خشبية والمثبتة مع وجود مسامير كبيرة على القطع العريضة، مع وجود حلقة حديدية للطرق على الباب، ويتم تزيين الباب بزخارف بسيطة أو غنية حسب قدرة صاحب البيت، تلوَّن بالألوان الأساسية الأحمر، الأزرق، الأصفر تحاط بإطار من الجص المزخرف أو السادة، قد تكون الزخارف مرسومة بالألوان، وقد تكون محفورة، تمثل الزخارف الشعبية المنقوشة على أبواب نجد الخشبية أحد صور الهوية للعمارة النجدية.
4) الشبابيك (المصاريع) :
وهي نوافذ خشبية تتكون من مصراعين من الخشب يتم تثبيتهما في إطار خشبي للغرف والمجالس مصنوعة من الخشب تستخدم المصاريع في بيوت الطين لعدة أغراض، منها تهوية المنزل وتدفق الهواء والضوء الطبيعي وكذلك للحفاظ على الخصوصية والأمان. تعتبر هذه المصاريع جزءًا أساسيًّا من تصميم البيت النجدي التقليدي، وتعكس ثقافة وتراث المنطقة.
5) الإنارة:
أ- إنارة السراج في البيوت النجدية:
السراج هو عبارة عن مصباح يستخدم لإضاءة البيوت النجدية التقليدية، حيث كانت تستخدم كمصدر رئيسي للإضاءة في المنازل قبل انتشار الكهرباء.
تبدأ الحاجة إلى إنارة البيت القديم بعد غروب الشمس. فيعمل السراج بواسطة إشعال فتيلة قماشية بمادة القاز «الكيروسين» داخل حجرة صغيرة محاطة بالزجاج، مع إمكانية التحكم بكمية الضوء حسب الحاجة إما للمذاكرة أو لجلسات السمر المسائية وغيرها.
وقد أصبح استخدام السراج جزءًا من التراث الثقافي في العمارة النجدية فمازال يستخدم في عصرنا الحالي في للتعبير عن تراث العمارة النجدية المعاصرة لما يتميز فيه السراج خلق أجواء ساحرة.
ب- الإنارة في البيوت النجدية الطبيعية:
وتتميز البيوت النجدية بتصميم مجموعة فجوات جدارية مثلثة الشكل تسمح بدخول الإنارة الطبيعية وأشعة الشمس داخل الغرف بشكل يعكس أصالة التراث النجدي.
النقوش والزخارف في الهوية العمارة النجدية:
تميزت البيوت النجدية بزخارف فنية مستلهمة من تراثنا الأصيل حيث تجسد الإبداع في الاهتمام بالتفاصيل المعمارية في التصميم الداخلي والخارجي مثل جمال الفن في الأعمال الخشبية في الأبواب والنوافذ، وأيضًا في الجدران وطريقة تزيينها باستخدام الجص بالجمع بين النقش والحفر والتلوين وإعطاء صورة واضحة عن مدى اهتمام أهل نجد بالفن والجمال والمحافظة على قيمة الموروث الشعبي التي صنعت هوية البيت نجدية.
ويعتبر استخدام شكل (المثلث) هو أحد العناصر الرئيسية في بناء العمارة النجدية لتعزيز الهياكل المعمارية وتقوية البناء هو يعود إلى التراث القديم للمنطقة الوسطى في المملكة (منطقة نجد) من أهم العناصر الجمالية في البيت النجدي هو (المثلث).
تعتبر للمثلث قيمة جمالية ومعنية كبيرة فهو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والروحية والفنية فهو رمزٌ للقوة والثبات والتوازن، وكذلك يمثل الثلاثة أشياء الأساسية في حياة المواطن السعودي الله ثم الملك ثم الوطن.
يتم توظيف المثلثات في التصميم النجدي بشكل متناغم على الأسطح والزخارف لإضفاء جمالية وتوازن على التصميم، حيث يتم استخدامه بطرق مختلفة سواء في تصميم الأبواب والنوافذ أو في الزخارف الداخلية والخارجية للمباني. يتم تنسيق المثلثات بشكل متكرر ومتناغم لإنشاء نمط فني فريد ومميز.
ختاماً: تمتلك مملكتنا الحبيبة موروثًا ثقافيًّا وتراثيًّا عريقًا امتد لتاريخ طويل وتسعى رؤية المملكة 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين وعراب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله بتسخير جهودها للمحافظة على هذا الموروث القيم في كل منطقة من مناطق المملكة حيث أنشأت هيئة المحافظة التراث لدعم الجهود في تنمية الثراث الوطني وحماية من الاندثار، وجعله ضمن الأماكن التي يرتادها السائحون من داخل المملكة وخارجها ليدرك الجيل الحالي والقادم قيمة وجمال حضارة أجدادنا والأجيال الماضية.
نفتخر في تراث وطننا الغالي وعلينا العمل يدًا بيد مع توجه ولاة الأمر للعمل على إحيائه وجعله المحور الأساسي الملهم في العمارة والتصميم بما يخدم متطلبات العصر الحالية ويواكب التطور العمراني الحديث وهو ما يمثله (الطراز السلماني) الذي تبناه والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله برؤية فريدة التصميم المعماري وهو ما نشاهده حاليًّا في تحويل العاصمة الرياض إلى عاصمة عالمية تنبض بالأصالة والحداثة معًا.
**
- م. مشاعل محمد العيدان/ تخصص تصميم داخلي - أول مهندسة سعودية لتصميم المستشفيات - عضو مشارك في هيئة المهندسين