خالد بن حمد المالك
يفترض بالأمم المتحدة التي تأسست عام 1945م بعد الحرب العالمية الثانية خلفاً لـ(عصبة الأمم) لمنع الحروب، ومجلس الأمن المنبثق عنها أن يقودا العالم إلى الاستقرار، وأن يعزِّزا من الأمن في مختلف دول العالم، وأن يكونا مرجعية للعدل، وفق قوانين تتعامل بمسافة واحدة من الجميع، وأن يكونا ملاذاً للمظلومين، ولكل من يُعتدى على حقوقهم من الدول، بعيداً عن التسييس في المواقف، ودون انحياز بدون وجه حق لهذا الطرف أو ذاك، فقد حدد ميثاق الأمم المتحدة أن الغاية من تأسيسها المحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام، على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق، وتقرير المصير للشعوب.
* *
ومسؤولية هذه المنظمة ومجلس أمنها أن تكون مظلة للجميع بمساواة وعدل، وتمنع الحروب والنزاعات، بقراراتها الملزمة، وإن تطلّب الأمر بالقوة العسكرية، اعتماداً على نصوص واضحة في ميثاقها، وصلاحيات مفتوحة، يحكمها الإجماع، وما خوَّله ميثاقها لها من مسؤوليات، خاصة وأنها ولدت إثر حربين عالميتين، أكلتا الأخضر واليابس، وراح ضحيتهما ملايين الناس، وهدمتا المباني والبنى التحتية، وخسرت الأموال في حربين عبثيتين لا زالت آثارهما موجعة إلى اليوم.
* *
لكن هناك خللاً، وعيوباً، وقصوراً، وتحتاج إلى إصلاح، وعلاج، وإلى إعادة النظر في أنظمتها وميثاقها، وتحديداً في عدم قصر استخدام حق النقض (الفيتو) على دول محدودة، تصنف أو يفترض أن تصنف على أنها الأمينة على حماية أمن واستقرار الدول والشعوب، فإذا بها غير ذلك، وإذا بها غير مؤتمنة، وتستخدم (الفيتو) بما يبطل ويعطل تعامل المنظمة بعدل، ويتعامل مستخدمة بانحياز فاضح، ما جعلها تسير باتجاه معاكس لأهدافها المعلنة.
* *
كلٌ يتحدث عن أن الأمم المتحدة بكل مؤسساتها أصبحت عبئاً على الأمن والاستقرار، ومعزِّزة للنزاعات والحروب، وقائمة بأدوار تخالف اسمها والهدف منها وصلاحياتها، وهي بوضعها الحالي لا يُرجى منها الخير، ولا يُنتظر منها عملاً إيجابياً مفيداً، فهي مشلولة الصلاحيات، والقدرات، والإمكانيات، ومعطَّلة من أن تقوم بأدوار تُلبي مصالح الدول والشعوب، ولا من حيلة أو عمل للتغلب على سلبيات المنظمة، أو معالجة أسباب تخلفها عن القيام بالدور المناط بها.
* *
وآخر من أعلن بصوت جهوري مسموع، الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريش الذي تحدث عن أن المنظمة تحتاج إلى إصلاح في نظامها وهياكلها، وكأنه يقول إنها بوضعها الحالي تحتاج إلى عمليات جراحية تقضي على نقاط الضعف فيها، وتعزِّز مكامن القوة التي نص عليها ميثاقها، ولكنها عُطِّلت بسبب المواقف السياسية للدول الكبرى المهيمنة على مجلس الأمن، بحكم ما تتمتع به الدول دائمة العضوية (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا) من صلاحيات لإبطال وإفشال أي قرار دون وجه حق باستخدام حق النقض، فقط لأنه يتعارض مع مصالح هذه الدولة أو تلك.
* *
وأكثر من استغل صلاحية الفيتو، وعطَّل قرارات مجلس الأمن هي الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر من استفاد من هذا التعطيل هي إسرائيل بحكم أنها تتمتع بالحماية الأمريكية، والدلال الأمريكي، والدعم الأمريكي، ما جعل تل أبيب تتمرد على أي قرار يصدر من المحاكم الدولية، أو من الأمم المتحدة التي تعتمد على التصويت، ولكن قراراتها غير ملزمة، وهكذا يصبح العالم في خطر، وأمام مستقبل مجهول، ومن غير توقع قريب بإصلاح ما أفسدته أمريكا بمواقفها في مجلس الأمن.
* *
صحيح أن مجلس الأمن هو المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وله سلطة على حكومات الدول الأعضاء، وقراراته ملزمة للدول حسب المادة الرابعة من الميثاق، ولكن الدول الخمس دائمة العضوية فرّغت مجلس الأمن من قوته وتأثيره وعدله، باستخدام أي من هذه الدول حقها في إبطال أي قرار، بما في ذلك تلك القرارات التي تخدم السلام والاستقرار في العالم، لكن هذه الدول تخلت عن كل الضوابط التي تحكم وضع حد للنزاعات بين الدول، مستفيدة من عدم وجود قيود على استخدام الفيتو.
* *
هذا الخلل في مجلس الأمن، وعدم القبول بممارسات الأعضاء الدائمين فيه اضطر المملكة عام 2013م إلى رفض قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن بعد فوزها بمقعد فيه، وأصدرت المملكة في حينها بياناً أوضحت فيه أن أسلوب وآليات العمل، وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته، وتحمّل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين، ما جعل أمريكا ترى قرار السعودية شأناً خاصاً، وفرنسا تعلن عن مشاطرتها السعودية في إحباطها، وأن لديها مقترحاً لتعديل حق النقض، ومع ذلك بقي مجلس الأمن تتحكم بقراراته الدول الخمس، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية دون وجود أي أمل لمعالجة أوضاعه.