محمد سليمان العنقري
لا يوجد خيار ثالث في القرن الواحد والعشرين لأي دولة أو منشأة أو فرد فإما أن يقرأوا التحولات من حولهم ويلحقون بها، بل ويسبقونها إذا أمكن ذلك أو أن يعيشوا مرحلة الإنكار للتحولات من حولهم والرغبة في البقاء في واقعهم الذي عاشوه لسنوات سابقة وإصراراهم على أنه هو ما سيستمر فمن ينظر للتطور التكنولوجي الهائل وكذلك معايير ومقاييس قوة الدول وأيضا لنماذج الأعمال وكيف تسابق الشركات الزمن لتستفيد من التوجهات الحديثة وحتى الأفراد كيف غيروا من نظرتهم للأعمال والتخصصات الحديثة التي يلتحقون فكل من يبقى على نمطه القديم سيجد نفسه خارج ساحة المنافسة وسيفقد الفرص فشركة مثل إنفيديا كانت قبل أربعة أعوام تعادل قيمتها السوقية حوالي 100 مليار دولار بينما وصلت حالياً إلى أعلى من تريليوني دولار بفضل تحولها نحو قطاع الذكاء الاصطناعي أي قفزت قيمتها حوالي 20 ضعفاً فيما تخلت آبل عن بعض مشاريعها كالسيارة الكهربائية واتجهت لتركز على الذكاء الاصطناعي فهل يمكنها أن تستفيد أم أنها تأخرت هنا تكمن الفروقات بين من يقرأ المستقبل ومن يدير ظهره له وذات الأمر ينطبق على الدول ولذلك فإن رؤية المملكة 2030 انطلقت من مفهوم التحالف مع المستقبل فظهرت النتائج بعد سبع سنوات من إطلاقها بنمو ضخم بالناتج المحلي بما يقارب 65 بالمائة وتحول المملكة لواحدة من أهم الوجهات الاستثمارية عالمياً والاميز بين الاقتصادات الناشئة الواعدة بالنمو.
فمن لم يقرأ مستهدفات الرؤية والتحولات التي تتجه لها بالمجتمع والاقتصاد فبالتأكيد لن يستفيد من الفرص التي تتاح بمختلف القطاعات والأنشطة فالمنشآت التي لا تتجه لأساليب الإدارة الحديثة واستخدامات التقنية ستفقد القدرة على المنافسة ومن تعتقد أن نمط الأعمال سيبقى كما هو بالسابق فهي مخطئة، فسابقاً كانت الخطط الاقتصادية القصيرة الأمد لخمس سنوات أو أعلى بقليل هي السائدة وآلية تنفيذ المشاريع وكذلك إدارتها مختلفة عن التوجهات الحالية فالرؤية ذات أمد طويل وتغيرت معها الأدوار الرسمية للإشراف والرقابة والاستثمارات الحكومية لم تعد مقتصرة على إنفاق الميزانية بل أصبح صندوق الاستثمارات العامة وكذلك القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي هم الأكثر تأثيراً وحجماً بضخ الاستثمارات مع تنشيط قطاعات الاقتصاد جميعها سواء القديمة بهيكلتها لتواكب العصر الجديد أو تلك التي كانت خاملة أو محدودة التأثير وأصبحت حالياً من بين القطاعات ذات النمو العالي كالسياحة والتعدين والصناعات التحويلية والتطوير العقاري والترفيه والقطاع الثقافي والإبداعي عموماً فما يحدث حالياً بكل هذه القطاعات وأيضا على مستوى تفعيل دور المدن والمناطق بالنهوض بإمكانياتها ماهر إلا البداية فالأهداف والطموحات أبعد بكثير من النتائج المميزة التي حققتها فكل برامج الرؤية لها ارتباط ببعضها فتطوير الصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات يواكبه تطوير برأس المال البشري وبآليات التمويل وتطوير القطاع المالي وتغيير ضخم بالأنظمة والتشريعات وانفتاح واسع على العالم وجذب المستثمرين بمحفزات تنافسية
فالمنشآة التي لا تقرا هذه التحولات وتستوعب معنى أن يشكل تأثير القطاع الخاص 65 بالمائة من الناتج المحلي لكن ليس بنمط الأعمال السابق للرؤية، بل بالاعتماد على التطور الإداري والتقني بالمنشأة وكذلك أن تطور من إدارات التخطيط لديها لكي تقرأ التوجهات القادمة والفرص الجديدة فمن يعتقد أن التحولات الحالية والقادمة تفقده التنافسية وفرص البقاء بالسوق فهو مخطئ لأن حجم الفرص أصبح ضخماً وبالآلاف بكل قطاع فالمشكلة يجب أن يبحث عن حلها داخلياً فبيئة الأعمال أصبحت أكثر نضجاً واعتماداً على إمكانيات كل منشأة وقدرتها على فهم التحولات والفرص الجديدة والاستفادة منها بتغيير بالفكر الداخلي واستقطاب خبرات تساعدهم على ذلك وذات الأمر ينطبق على الأفراد، فكثيراً ما تسمع من شريحة من العاملين نظرة قاصرة للتحولات في المجالات التي يعملون بها ففي التعليم هناك تغييرات كبيرة تحدث وتظهر تدريجياً آثارها بينما لعدم اطلاع بعض المنتسبين على تحولات القطاع فتجدهم ينظرون لهذه التغييرات على أنها شكلية فمن ناقش وجود ثلاثة فصول دراسية بشكله الظاهري معتقداً أن ما أضيف هو فصل ثالث فهو لم يستوعب أن الفكرة هي زيادة عدد أيام الدراسة لرفع مستوى مخرجات التعليم فكان عددها سابقاً حوالي 150 يوماً أي من أقل الدول وحالياً 183 يوماً فالفكرة ليست بعد الفصول إنما بالحاجة لنواكب العالم الذي اغلب دوله المتقدمة عدد أيام الدراسة فيها يفوق 200 يوم أما بالشأن الثقافي، فهناك مثال بسيط يعطي تصوراً عن قصور بعض المنتمين لأنشطة القطاع عن عدم فهم دور الثقافة في الرؤية كقوى ناعمة وتسويقية لنا خارجياً وتعزيز دورها داخلياً. فمسابقة كأس السعودية رافقها فعالية في مجال الأزياء فخرجت أصوات ناقدة بمجال الفنون تقول إنه لم يقدم تراثنا كما هو بصورته الواقعية بينما الفكرة هي الاستفادة من مسابقة عالمية للترويج لتراثنا عبر دمجه مع أفكار تصاميم العصر أي استخدمت التصاميم الحديثة لتكون جسراً لنشر شيء من تراثنا مع التركيز على المصممين الشباب وهذا يحسب لوزارة الثقافة لتفعيل دور الطاقات الشابة وتقديم صورة أوسع عن مجتمعنا وانفتاح على العالم وإيصال فكر الشباب الذين يمثّلون ثلثي السكان وذات الانر ينطبق على نقد فعاليات أخرى فمثل هذا النقد المبني على فكر قديم ولم يستوعب التوجه لدور الثقافة الجديد سيبقي هؤلاء خارج دائرة التفاعل والتأثير في مجاله وستسمع منهم أنهم لميأخذوا فرصتهم، فالحقيقة أنهم لم يتحالفوا مع المستقبل وحتى في الرياضة ما زال فكر بعض إدارات الأندية والإعلاميين واللاعبين متوقف عند مرحلة سابقة ولم يستعدوا لما بعد إطلاق المشروع الرياضي الحديث وسيكتشفون تأخرهن بفهم هذه التغيرات قريباً عندما يحل مكانهم من يتماشون مع مستهدفات التوجه الرياضي ودوره بالمجتمع والاقتصاد.
التحول والتغيير سمة عامة تتسابق لها كل الكيانات لكي تجد لنفسها موطئ قدم في ساحة التنافسية وكل من يتأخر أو يرفض التحول فلن يتمكن من المنافسة أو البقاء في السوق والفرد الذي لا يتطور بقدراته ويستفيد من برامج تطوير القدرات البشرية أيضاً سيسبقه زملاؤه بالعمل أو المهنة ممن استفادوا من الفرص المتاحة لهم لتطوير إمكانياتهم حتى لو كان هو أقدم منهم بالمجال بسنوات فالاقتصادات المتقدمة تمنح فرص كثيرة لكن لمن يستعد لها وهذا هو حال اقتصاد المملكة يتيح فرص ضخمة جداً فالمستفيد هو من قرأها واستعد لها.