محمد سليمان العنقري
مع كل حدث سياسي يمر به العالم العربي كالأحداث التي تعيشها غزة بسبب الهجوم الإجرامي لإسرائيل عليها وحجم الدمار والقتل والتهجير الذي أصاب سكانها إضافةً لأحداث الفوضى بدول عربية، بل وبالعودة لأزمات كارثية وقعت من عقود مثل غزو العراق للكويت وما يجري في لبنان من انعدام للاستقرار ظهرت لنا القراءات والتحليلات إما على القنوات الفضائية والصحف في الأحداث القديمة أو حديثاً في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي التي تحاول أن تفسر ما يجري وأبعاده فما يصبغ هذه الحوارات هو الجدل العقيم الذي يظهر فيه وقوع الكثيرين أسرى لأوهام الشعارات الأيديولوجية بكل تياراتها الفكرية التي روجت لبطولات زائفة وأفكار شعبوية دون أن تحقق شيئاً على أرض الواقع سوى المزيد من الانكسارات التي عاشتها المنطقة العربية فلا يمكن تحويل الهزيمة لنصر وهمي بينما النتائج الفعلية على الأرض تقول عكس ذلك تماماً.
بل إن هذه الأصوات التي رضيت أن تغيب عقولها وتعمى أبصارها بإرادتها تنظر لنجاح وتقدم دول الخليج أنه محض حظ وصدفة وتنكر الحقيقة بأن حكومات دولهم هي من أضاعت فرص التنمية والاستثمار والتطور رغم الإمكانيات الهائلة التي يملكونها وسارت خلف شعارات للتخدير الجماهيري بالخطب الرنانة وغزارة الأقوال وقلة الأفعال متسلحين بالإعلام التعبوي فلا بناء اقتصادي ولا نموذج تنموياً ولا أفق استراتيجياً واضحاً فكانت النهاية الحتمية هو ما تعيشه دولهم من فوضى أو تقهقر اقتصادي على أقل تقدير فإنكار الحقيقة أو الأزمة التي يعيشونها منذ عقود واتباع سياسة الهروب للأمام وتصدير مشكلتهم الداخلية بإشغال مجتمعاتهم بملفات خارجية كان لا بد أن يكون له نهاية فلحظة المصارحة بأن كل هذه المحاولات لإبقاء الوضع على ما هو قائم ليست حلاً لتجاوز المشكلة الاقتصادية والتنموية التي نكبر يومياً حتى انفجرت وتحولت لمجموعة أزمات أثّرت على استقرار هذه الدول وهددت غيرها ممن تسير بنفس النهج.
إن عالم اليوم القائم على التنافسية الاقتصادية والتسارع الكبير بالتقدم التكنولوجي والاتجاه نحو الاقتصاد الرقمي والتوسع باستخدامات الذكاء الاصطناعي لن ينتظر أحد ليستفيق من سباته الاقتصادي ويلحق بركب الدول التي سبقتهم فمن لا يقرأ اتجاهات المستقبل ويتعامل معها بواقعية لن يكون له مكان في الاقتصاد الحديث فلقد أدركت دول الخليج مبكراً أهمية التنمية الاقتصادية ووظفت مواردها لأجل ذلك فبنت صناعات وخدمات وأصبحت دول جاذبة للاستثمارات وتتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية وشراكات مع أكبر الاقتصادات العالمية ومكانة دولية رفيعة كما أن أهم ركيزة في مشروعها التنموي كان وما زال وسيبقى بناء الإنسان وهو ما ظهر بتقدم كبير في مؤشرات التنمية البشرية فيها، بل وتعد من الأفضل عالمياً كما أن التشريعات والأنظمة التي تتطور وتراجع بشكل مستمر كان لها دور في إيجاد بيئة صحية للمستثمرين وجودة حياة من خلال توظيف التقنية والإمكانيات لتحقيق مستويات متقدمة في مؤشرات التقدم المجتمعي والمعيشي، فهذه الفوارق التي تزداد بين دول خططت لمستقبلها ونفذت ودول أبقت نفسها في حالة من الجمود دون تخطيط ولا استثمار حقيقياً وبأنظمة وتشريعات طاردة للاستثمار هو ما بعيشه عالمنا العربي، بل والشرق الأوسط عموماً.
دائماً توجد فرصة للعودة للمسار الصحيح لكن قبل كل ذلك إذا لم يرتفع وعي شعوب تلك الدول بأهمية التنمية الاقتصادية والتخلي عن الأفكار الأيديولوجية السرابية فلن يحققوا أي تقدم أو تطور في حياتهم وسيبقى توجه شباب تلك الدول للهجرة للبحث عن الفرص رغم أن لدى دولهم إمكانيات كبيرة وفرص عمل وتعليم ونمو ضخمة، أما البقاء في دائرة الجدال العقيم وانعدام الواقعية فسينطبق عليهم المثل القائل: من يزرع الريح يحصد العاصفة.