د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
اعتمرت في ذهني ولا تزال العديد من الأسئلة التي تحيط بالمنجزات النقدية العربية منذ بزوغ شمس العصر الحديث وحتى ساعة كتابة هذه الأسطر، وتساءلت عن سبب عدم قدرة العرب على اللحاق بركب الحضارة الغربية على الصعيد الأدبي؟ ليحضر هذا السؤال العميق في ذهني، وعلى جنباته الكثير من المحاور التي تُحاول أن تُكوّن حاجزًا يحول دون وصول هذا السؤال الكبير لشقّه الآخر، ليفتش عن منجزنا الثقافي الذي مازال يبحث عنه وكأنه متيقنٌ من وجوده! هذا ما دفع السؤال للتساؤل؟ كيف لا نتسيّد الساحة النقدية والأدبية ونحن من بُعث فينا الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنزلت علينا معجزة رب العالمين القرآن الكريم، وعلى هذه الأرض الطاهرة ولدت المعلقات، وتعفّر سنام شعراء وأرباب العربية بغبارها الذي يفوق المسك طيبًا، فما عذرنا في ذلك؟
كان هذا السؤال العميق يتردد في ذهني بقوة وباستمرار وبلا توقف، لماذا لا يكون لدينا مشروع عربي نقدي خاص؟
تشكّل في ذهني هذا السؤال، وأشعة شمس الصباح الذهبية تتسلل إلى مكتبة والدي في منزلنا القديم في حي العُليا، ليكبر معي هذا التساؤل ويعايش مراحل دراستي العليا (الماجستير والدكتوراه)، التي تُقدّس مناهجها الرؤى النقدية الغربية على اختلافها وتنوعها من الشكلانية والبنيوية، إلى الإنشائية والأسلوبية وغيرها من المناهج التي أنتجها نقادنا الأوائل الكبار خلال القرنين: الثالث والرابع، فسُلبت منَّا وأعيدت إلينا بهيئة غريبة توحي بالتفرد والامتياز!
أكتب هذه الأسطر وأبوح بشيء من هموم المتلقي العربي الذي يبحث عن منجزٍ نقدي يمكن أن يكون قاعدة ننطلق منها إلى فضاء الساحة الثقافية، والأهم من ذلك أن يُحتفى به، وبصاحبه، ويُدرج في مناهج جامعاتنا ليكون منجزًا ثقافيًا سعوديًا يوازي حجم الدعم الكبير الذي تقدمه دولتنا -أعزها الله- للثقافة والتعليم في مختلف المجالات وشتى الأصعدة، وفي نظري لا يمكن أن ننهض بهذا المشروع إلا بتكاتف جامعاتنا مع وزارة الثقافة، التي تُبهرنا في كل يوم بمنجزاتها ودعمها لميداني الأدب والنقد.
أكتب هذه السطور وبين يدي كتاب أستاذنا الكبير أ.د.عبدالله الغذامي، «إشكالات النقد الثقافي أسئلة في نظرية التطبيق»، وهو آخر الإصدارات النقدية المهمّة لصاحب المشروع النقدي الأول في العالم العربي، الذي أفنى عمره من أجل الخروج برؤية نقدية تنهض بالمشروع الثقافي العربي، الذي ظلّ لسنوات طويلة يقتفي أثر المدارس الغربية، في ميدانٍ فرسانه العرب!
لقد أسس د.عبدالله، على مدى العقود الماضية رؤية نقدية خاصة استطاع من خلالها أن يؤسس لمشروعنا النقدي العربي الكبير بعيدًا عن اجترار ما أنتجته مصانع العقل الغربي من نظريات ورؤى نقدية بعضها يفتقر إلى القواعد التي تعينه على مواكبة المنجز الأدبي العربي الذي رسخت أوتاده في هذه الأرض قبل أكثر من 1500 عام.
نحتفي في هذا العدد ونحن ننتظر شهر الرحمة والخير والغفران شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن الكريم، برائد المشروع النقدي العربي بمناسبة صدور كتابه الجديد: إشكالات النقد الثقافي أسئلة في نظرية التطبيق»، لنكون أمام منجزٍ فكري وحضاري عريق، اسمه: «عبدالله الغذامي»، فأهلاً وسهلاً بكم إلى صفحات هذا العدد الاستثنائي من جزيرتكم الثقافية.