أ.د.صالح معيض الغامدي
أن يتحدث كاتب السيرة الذاتية أوصاحبها عن كتبه ونتاجه العلمي أو الأدبي، هذا أمر طبيعي حدث ويحدث باستمرار، لكن أن يكون الكتاب شريكا قويا في السيرة الذاتية لكاتبه، ذلك أمر لم أعهده قبل أن أشاهد الحلقة الثالثة من اللقاء السيرذاتي الجميل الذي أجراه الأستاذ عبدالله البندر مع الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي في برنامج «مخيال» .
ففي معرض إجابة الغذامي عن السر الحقيقي للحقيبة التي تظهر في خلفية الصورة التي وضعها الغذامي في حسابه في برنامج « إكس» شرح الغذامي سبب اقتناء هذه الحقيبة وظروفها، ولكن المهم ليس الحقيبة في ذاتها بقدر ما هو مخطوط كتاب «الخطيئة والتكفير» الذي حُفظ بداخلها طوال ما يقرب من 40 عاما. ونظرا للأهمية القصوى لهذا الكتاب ومركزيته في حياة الدكتور عبدالله الغذامي، وفي تاريخ النقد العربي الحديث حقيقة ، فقد أورد سيرة عجيبة لهذا الكتاب جاءت مضفرة بإحكام بسيرته الذاتية هو، ولا عجب في ذلك فقد وصف هذا الكتاب المخطوط وصفا عجيبا عندما قال بأنه».أنا خارج جسمي» وبأنه هو والحقيبة التي تؤويه يمثلان «قطعة مني». والحقيقة هنا أن هذه السيرة الذاتية المرئية للغذامي تشطر سرد الذات إلى شطرين، شطر داخلي مرتبط بذات الكاتب الجسدية ومسيرته الحياتية، وشطر خارجي مرتبط بحياته في كتبه التي يمثلها خير تمثيل كتابه الريادي «الخطيئة والتكفير». وقد شدد الغذامي على أنه حرص على ألا يفرط في هذا المخطوط أو يتنازل عنه بأي شكل من الأشكال، وألا يخرجه من بيته مهما كانت المغريات التي تلقاها للتنازل عنه. والغذامي محق في ذلك، فمن يتنازل عن الجانب الخارجي من ذاته؟! ولقد توسع الغذامي في سرد كثير من ملابسات تأليف هذا الكتاب، فقد بدأ التفكير في تأليفه قبل عدة سنوات من كتابته عام 1983/1984م أثناء تفرغه العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا في جامعتي بيركلي في كاليفورنيا وجامعة إنديانا في إنديانا، (التي كنت أدرس فيها أنا آنذاك وسعدت بلقاء الدكتور الغذامي في جامعة إنديانا ببلومنجتن). وذكر الدكتور الغذامي أن تأليف هذا الكتاب قد استغرق 14 شهرا، وأخذ في وصف ظروف تأليف هذا الكتاب ومدى اهتمامه والتصاقه به، ومدى الجهد الذي بذله في سبيل ذلك، وأشار إلى الهم الذي كان يحمله آنذاك بسبب التوتر العنيف الذي كان يشعر به أثناء عملية الكتابة، فقد كان منغمسا انغماسا كليا في التفكير في قضايا هذا الكتاب وتأليفه إلى درجة أنه كان أحيانا ينسى نفسه ويستمر في الكتابة وقتا طويلا حتى تتيبس أصابعه، وقد بلغ توتره حدا جعله يفكر في لحظة ما بالعودة الى السعودية دون إكمال تأليف الكتاب لولا عزيمته القوية ومساندة زوجته الفاضلة. وقد وصف مشاعره الجياشة وهو يكتب عن شخصية حمزة شحاته وأدبه في هذا الكتاب لأنه اتخذه مجالا للتطبيق، ولم يخف الغذامي مدى انغماسه في أدب شحاته وتماهيه مع هذا المفكر والأديب المرموق إلى حد البكاء أحيانا. ولذلك لا نستغرب أن يكون العذامي حفيا بمخطوط هذا الكتاب الذي كتبه بيده وضنينا به وحريصا عليه وعلى سلامته إلى درجة أنه عمل له نسختين مصورتين، أودع إحداهما عند الدكتور عبدالعزيز السبيل في انديانا، والأخرى عند الدكتور أحمد الطامي في القصيم، تحسبا لأي ظرف طارىء قد يحدث للنسخة الأصلية من المخطوط!!
والحقيقة أنه سيطول بنا المقام إن نحن رمنا ذكر كل التفاصيل التي ذكرها الغذامي عن سيرة كتاب « الخطيئة والتكفير»، وما كتبنا هذا المقال أساسا إلا لنبين كيف يمكن أن تكون سيرة كتاب رائد ومهم مثل الخطيئة والتكفير جزءا مهما ومركزيا في السيرة الذاتية لمؤلفه، ليس على سبيل المجاز فحسب، بل على سبيل الحقيقة أيضا!!