سهم بن ضاوي الدعجاني
على طريقة ميشيل فوكو
هل بإمكان «النقد الثقافي» أن يوجد و لا يكون غذاميا
وهل ما هو مضاد لـ»النقد الثقافي» هو بالضرورة غير غذامي!!!!
قبل 28 عاما و تحديدا في عام 1996م ، في تونس أطلقت مقولة «موت النقد الأدبي»، و في عام 2000م صدر كتاب الدكتور عبدالله الغذامي «النقد الثقافي» و هو قراءة في الأنساق الثقافية العربية، بعد أن تخلص من عباءة « النقد الأدبي «وخرج من ميدان البحث عن جماليات النص فقط إلى فضاء»النقد الثقافي»، وهو يعترف بكل شفافية بأن تحوله من «النقد الأدبي» إلى «النقد الثقافي» جاء نتيجة مغامرة على جناح « التدمير الخلاق « « Creative Destruction» كما هو في عالم الاقتصاد، و جاء كتابه الجديد» إشكالات النقد الثقافي أسئلة في النظرية والتطبيق» في عدد من المباحث حول عدد من المصطلحات التي ترسم خارطة طريق نحو «النقد الثقافي»من خلال «معمار» نقدي مختلف بدأه ببحث عن «الجملة الثقافية»، من مقولة النبي عليه السلام «اذهبوا فأنتم الطلقاء» الى عبارة شكسبير الخالدة «أكون أولا أكون « مرورا بتلك الجملة المفصلية لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه «كلمة حق أريد بها باطل» والتي فصلت بين الباطل والحق، من خلال هذا الطقس تشكل مصطلح النقد الثقافي، في رحلة استقصائية دقيقة وشاملة فيها رصد و توثيق وتحليل و مقارنة عميقة جدا .
و «حياة السود مهمة» تلك الجملة التي رفعها جماهير السود في أمريكا منذ مطلع القرن الحالي، وكذلك تصريح بادين عام 1997 م : «لو تمدد حلف الاطلسي شرقا ليشمل دول البلقان فهذا يستفز روسيا و يدفعها لجرب ضروس « ثم في عام 2022 م جاء التصريح الثاني: « لأوكراني الحق في الانضمام لأي تحالف « و هي جملة كما وصفها الغذامي : ظاهرها حقوقي و باطنها حربي !!!!
ويخلص المؤلف الى: « وهذه وطيفه الجمل الثقافية حين تكشف وتكون بمثابة مفتاح كاشف للنسق وتجمع دون تبصر بين الواعي والنسقي، في لعبة تنتج عن سلوك المؤلف المزدوج «
وحكاية (جون وجورج) تكشف لنا أن العقل هو الذي صنع الخطأ في حين أن العاطفة هي التي صححت الخطأ وبهذا يتأكد لنا أن تأريخ الكذب والخدعة والاحتيال «منتجات عقلية» في السياسة والحروب والمال
رغم دهشة سقراط ودهشة كولومبس ودهشة أرمسترونج ، تبين أن الاستكشاف في عالم البشر هو «غزو» بل ما هو الا ازاحة واحلال وهو نتيجة «الغلبة للأقوى» و «الجاذبية النسقية»
المكان الذهني
الغذامي وقف على ثلاثة نماذج للأمكنة في حال تحولها من «العيني « إلى «الذهني» وهنا نوضح ما قصده بكهف أفلاطون: يعتقد جميع الناس أن ما يعرفونه ويرونه، هو الحقيقة بالنسبة اليهم والى الجماعة لتي ينتمون اليها. لكن العلم يقلب، في كل مرة أوهامنا، ويكشف لنا ان أغلب ما اعتقدنا بأنه حقيقي، ليس سوى مجرد رأي، ومعرفة تلقائية ظنية، وصور متغيرة. وقد عالج الفيلسوف اليوناني أفلاطون، أشكال الحقيقة في أسطورة سماها بأسطورة الكهف، في كتابه المعروف «الجمهورية» ، في تلك الاسطورة، يدعو افلاطون، الى تخيل مجموعة من السجناء المحبوسين في هذا الكهف، مقيدي الأيدي والارجل، بحيث لا يستطيعون الفكاك أوالالتفات الى الخلف، بينما توجد خلفهم كوة يدخل منها نور الشمس، وتوجد كل الاشياء الحقيقية، لكنهم لا يستطيعون رؤيتها لأنهم مقيدون. لذا فإنهم يكتفون بالنظر أمامهم، ويرون ظلال الأشياء الموجودة خلفهم منعكسة في شكل صور أمامهم، وهكذا يألفون مع الوقت، رؤية تلك الظلال وكأنها حقائق. وهكذا حسب اسطورة الكهف، فإن السجناء يرمزون لى كل الناس الموجودين في هذا العالم، بينما الظلال تشير الى اشباه الحقائق، أوما ألفوا هم اعتباره حقيقة وواقعا، وكان شرط الوصول الى الحقيقة، حسب افلاطون، هو التخلص من تلك القيود التي تكبلهم في الكهف. هذه القيود التي لن تكون سوى العادات والتقاليد والاعراف الشائعة التي تعلمناها من الكهف الذي نعيش فيه. والكهف هنا، هو المحيط والعالم الذي تربى فيه الانسان وتطبّع به. هذه الظنون والمعارف الظنية، لا يمكن التخلص منها، الا عن طريق الحكمة، والشك الذي يعمل به الفيلسوف من أجل الوصول الى العالم الحقيقي، الذي سماه أفلاطون في أسطورته «عالم المثل» «.
وأخيرا ربع قرن مر على صدور كتاب «النقد الثقافي» ومازال الكتاب يدعو مؤلفه ويحرضه في كل محفل على العديد من التساؤلات والاسئلة والمؤلف يزداد نشاطا وحيوية لتكريس مصطلح «النقد الثقافي» من خلال 17 حوارا من جامعات العراق والجزائر والامارات وسلطنة عمان ومصر لمزيد من التوضيح والبيان لعدد من المفاهيم الفلسفية التي هي في الحقيقة «معمار» النقد الثقافي: «الجملة الثقافية» و»النسق المضمر»و»المجاز الكلي» و»التورية الثقافية «و»الشعرنة»و» المؤلف المزدوج».
الكتاب في حقيقته هو جلسة محاكمة ومواجهة مع الذات البشرية بطريقة عابرة للجغرافيا و التأريخ و السؤال الحلم: متى يتحرر الإنسان من جاذبية الأرض و من جاذبية النسق الثقافي؟ متى؟