سلمان بن محمد العُمري
ها هو شهر رمضان المبارك قد لاحت أنواره، بلّغنا الله إياه، وهذه آخر جمعة من شعبان، وما هي إلا بضعة أيام ويهل علينا شهر رمضان، شهر الصلاة والصيام والتراويح والقرآن، شهر الجود والبر والإحسان، شهر يتغير فيه نمط عيش المؤمنين، وتتغير معه قلوبهم؛ تعلقاً بطاعة الله تعالى، وملازمة للقرآن؛ فحري بالمسلمين أن يقتدوا بسنة سيد المرسلين ويستقبلوا الشهر الكريم بالتوبة النصوح {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور، وأن يعلموا أن الغاية العظمى من مقامهم في الدنيا هي عبادة الله تعالى، ورمضان موسم للعبادة، ولا قيمة للعمر إذا لم يمتلئ بالمنجزات، وأفضل المنجزات وأنفعها عبادة الله تعالى، والإقبال عليه سبحانه؛ فإن ذلك يجمع للعبد وللناس خيرَيْ الدنيا والآخرة. روى أَبو بَكْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وكل ما كان في طاعة الله تعالى فهو حسن، وكل ما كان في معصيته فهو سيىء.
ولأهمية رمضان في حياة المؤمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» رواه أحمد.
فلنحسن -أيها الأحبة- استقبال الشهر الكريم بالتوبة من الذنوب، والإقبال على الله تعالى بالقلوب، وحماية الأسماع والأبصار من الحرام؛ فإن عرض الحرام على الأسماع والأبصار يكثر في رمضان، وأجهزته تصاحب الناس ولا تفارقهم، وهي في أيديهم أو جيوبهم، والشاشات أمامهم في بيوتهم، فالحذر الحذر من ذهاب أجر الصيام والقيام بمعاصي الأبصار والأسماع.
ويجب صون الألسن عن الغيبة والنميمة والقيل والقال، وشغلها بالذكر والاستغفار والقرآن، ونبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.
قال الله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ} (53) سورة يوسف
يقولُ أحدُ الصّالحين:
ما رأيتُ عدوًّا لي أكثرَ مِنْ نفسي، أُجاهِدُها بالطاعاتِِ، وَتأمُرُني بالسُّوء.
إن التاجر الحصيف هو الذي يستعد ويُعدّ العدة لمواسم الربح، وأعظم التجارة هي التجارة مع الله بالعمل الصالح والطاعة والخير.
المسلم الصادق، صاحب همّ الآخرة، هو الذي يجعل من شهر شعبان شهر تهيئة وتحليةٍ لرمضان، فيستعد بإصلاح القلب من الآفات والدسائس، ويحاسب نفسه على التقصير، ويُكثر من الاستغفار الخاشع المعظّم لله ولحرماته، بحضور قلب ورجاء، واستشعارٍ وخوفٍ وقصر أمَل.
يقول الشاعر: عبدالمجيد بن محمد العُمري:
شهرُ الصيامِ وشهرُ الجودِ وافانا
وافاكمُ الله بالتقوى مدى العُمُرِ
شهرُ عظيمٌ به الرحماتُ تغمرنا
وفقاً لما جاء في الإسنادِ والسورِ
ياذا الجلالِ وذا الإحسانِ مغفرةً
أمنن علينا بها مع ليلة القَدر
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا تجعل للشيطان علينا سلطاناً ولا تجعل له في أنفسنا أعواناً
فأنت حسبنا ومولانا، اللهم بلغنا رمضان، وبارك لنا فيه، وسلمه لنا، وسلمنا له، وتسلمه منا متقبلاً، يا ذا الجلال والإكرام.