د. فهد بن أحمد النغيمش
قد يتبادر للوهلة الأولى بأن العنوان يدعو إلى أن يكون شهر رمضان ميداناً للكسل والخمول والنوم والراحة، لكن الحقيقة التي يغفل عنها البعض أن شهر رمضان هو شهر الصبر والمصابرة والجد والمثابرة، بل هو شهر الغزوات والانتصارات الكبرى للمسلمين، شهر ارتفاع الهمم وانجذابها نحو الطاعة والعبادة، وحين نطلب من الجميع أن يكون شهر رمضان إجازة فليس المقصود إجازة من عملك الرسمي أو كدّك اليومي وتحصيل قوتك ومعاشك، بل أعني بذلك أن نفرّغ أنفسنا خلال هذا الشهر المبارك من جميع شواغلنا الدنيوية وملذاتنا الحياتية التي كنا ننغمس فيها وننسى أنفسنا! رمضان شهر واحد فقط وصفه رب العزة والجلال بأنه {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ}، أيام سرعان ما تنتهي في غمضة عين وانتباهتها وينقضي معها العمر بأكمله ولا يعلم المرء أيدرك الشهر عاماً قادماً أم يكون من أهل القبور، هو فرصة سانحة لاغتنام الكثير من الأجر في ساعاته وأيامه ولياليه وساعات الإفطار وأوقات الأسحار، فهل يليق بأحدنا أن يغفل عن أيامه ولياليه؟ له من الفضائل الكثير والكثير والتي يصعب حدها أو عدها، فمن فضائله:
1 - أن صيامه يكفِّر الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مكفِّراتُ ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر)
2 - قيامه مغفرة للذنوب جميعاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدّم من ذنبه)
3 - لله في كل ليلة منه عتقاء من النار، وقد جاء عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة - يعني في رمضان -، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة)، صححه الألباني
4 - فيه ليلة خير من عمل ألف شهر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
5 - يكفي أن رائحة فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك لعظمه الصوم: (والذي نفسي بيده: لخلوف فمِ الصائم أطيب عند الله تعالى، من ريح المسك)، بل إن الله عزَّ وجلَّ يقولُ (كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه، كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ)، شهر تفيض فيه الرحمات من بارئ البريات سبحانه، أبعد ذلك يليق بأحدنا أن يضيع هذه الفرصة السريعة ويدع أيامه ولياليه تمضي دون كسب أو مغنم؟ عجيب حال البعض ممن لا يفرِّق بين هذا الشهر وبين باقي الشهور فيدخل عليه رمضان ولم يتزوّد فيه بطاعة ولا عبادة، بل أضاعه في تنزه وأسواق وجلوس على فضول الكلام والتسمّر أمام شاشات القنوات، بل البعض يزداد ويتفنن في تضييع الأوقات من أن يؤذن بدخول شهر رمضان ولذا نبّه خير البشرية صلوات ربي وسلامه عليه إلى ذلك فقد جاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال (آمين، آمين، آمين، فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: قال لي جبريل: أرغم الله أنف عبد أو بَعُدَ دخل رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين)، نعم الواحد أمضى عاماً كاملاً وهو يكتسب الكثير من الذنوب والمعاصي والآثام وكلنا ذاك الرجل المخطئ والمذنب ولذا كان من لطف الله أن جعل لنا محطات نتوقف فيها ونتزوّد منها للطاعات وتمحو بها السيئات.
ليكن لنا في شهر رمضان نصيب ولنسع فيه إلى أن نفرّغ أنفسنا فيه مما كنا نلهو به قبل الشهر ولا نفرّط في ساعة منه أو دقيقة فما هي إلا أيام ويرتحل وكلنا محتاج لأن يتزوَّد من الطاعات وينطرح بين يديه في هذا الشهر ويطلب العفو والتجاوز، فهو والله فرصة سانحة مانحة قد لا ندركها في كل عام!