د.خالد السيد حسن
يؤثر تغير المناخ بشكل كبير على حقوق الإنسان، وسنحاول في هذا المقال أن نستعرض بعض الآثار المترتبة على التغير المناخي وكيفية ومدى تأثيرها على حقوق الإنسان.
1 - تأثير التغيرات المناخية على حق الإنسان في الحياة والصحة:
تتسبب التغيرات المناخية والمتمثلة في الارتفاع الكبير في درجات الحرارة والجفاف والفيضانات في تهديد حق الإنسان في الحياة والصحة الجيدة. فالكوارث الناجمة عن التغير المناخي يمكن أن تؤدي إلى خسائر بشرية جسيمة وتفاقم المشكلات الصحية. يتأثر نحو 262 مليون شخص بكوارث المناخ سنوياً، 97 % منهم يعيشون في البلدان النامية. يتسبب تكرار وشدة الفيضانات والكوارث الطبيعية في تهديد حياة الأشخاص وممتلكاتهم والأمن الشخصي. هناك نحو 250 ألف شخص فقدوا حياتهم بسبب الأعاصير المدارية خلال الفترة من 1980 إلى 2000، وقد أودى إعصار بولاند في الفلبين عام 2013 بحياة 10 آلاف شخص.
ارتفاع درجات الحرارة يزيد من حدة الموجات الحارة ويزيد من خطر الإصابة بأمراض الحرارة المسببة للوفاة. أسفرت موجة الحرارة المرتفعة والجفاف في أوروبا عام 2003 عن مصرع 35 ألف شخص. كما تزيد موجات الحرارة الحادة من خطر حدوث ضربات الشمس والإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الإجهاد الحراري والتعرض لحروق الشمس. كما يزيد تغير نمط الأمطار المصاحب لارتفاع درجات الحرارة من انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الناقلات مثل البعوض والقراد. يتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الأمراض المعدية والوبائيات مثل الحمى الشديدة وأمراض الطفيليات المنقولة بواسطة البعوض.
تزيد الموجات الحارة الحادة من خطر الإصابة بأمراض الحرارة المسببة للوفاة. كما تزيد من خطر حدوث ضربات الشمس والإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الإجهاد الحراري والتعرض لحروق الشمس. كما يزيد تغير نمط الأمطار المصاحب لارتفاع درجات الحرارة من انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الناقلات مثل البعوض والقراد.
زيادة الحرارة وتقلبات الطقس قد تسهم في انتشار الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، الربو، الحساسية التنفسية، وأمراض الجهاز التنفسي، والسكري، وتؤثر على صحة الأفراد.
الهجرة الناجمة عن تأثيرات المناخ قد تؤدي إلى تحديات صحية، بما في ذلك انتشار الأمراض وتحديات الرعاية الصحية. حيث يصبح الأفراد غير قادرين على الوصول إلى الخدمات الصحية أو الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، وتزداد معدلات الإصابات والفقد بين الأفراد كما تزداد معدلات الإصابة بالأمراض، نتيجة للاستجابات الطارئة وفقدان المأوى.
2 - تأثير التغيرات المناخية على حق الإنسان في الغذاء:
تغير المناخ يمثل تحدياً كبيراً لحقوق الإنسان المتعلقة بالحصول على الطعام والأمن الغذائي. تغير المناخ يقوض قدرة بعض المجتمعات على إطعام أفرادها، وسيزداد عدد هذه المجتمعات المتأثرة بارتفاع درجات الحرارة. وتشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى احتمال تأثر جميع جوانب الأمن الغذائى بتغير المناخ، بما في ذلك إنتاج المحاصيل الرئيسية، مثل القمح والأرز والذرة، في المناطق المدارية والمناطق المعتدلة على السواء، والحصول على الأغذية واستقرار أسعارها، كما يؤدي التغير المناخي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للافراد، وفيما يلي بعض التأثيرات المهمة:
ارتفاع درجات الحرارة وتغيرنمط الأمطار يؤثر على الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، ومن الممكن أن يتسبب في نقص المواد الغذائية، الأمر الذي يهدد حق الإنسان في الغذاء ويتسبب في نقص التغذية وزيادة معدلات الجوع وأمراض سوء التغذية. تزيد التغيرات المناخية من نقص الموارد الطبيعية وتؤثرعلى الإنتاجية الزراعية والثروة الحيوانية. الجفاف والفيضانات وتدهور التربة يمكن أن يؤديا إلى نقص الإنتاج الزراعي وتدني مستويات الأمن الغذائي، الأمر الذي يعرض حقوق الناس في الحصول على غذاء كافٍ وصحي وملائم للخطر.
تغير نمط الأمطار والجفاف يؤثران على التوزيع المائي وتوفر المياه العذبة، خاصة في المناطق المعرضة للحرارة الشديدة. نقص المياه يؤثر على حياة البشر وصحتهم، ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات الفقر والأمراض. ارتفاع درجات الحرارة، وتقلبات الطقس، ونقص المياه يؤثران سلباً على الإنتاج الزراعي ويؤديان إلى تدهور الإنتاج الغذائي، مما يقلل من الكميات المتاحة من الطعام. تغير المناخ يتسبب في توزيع غير متوازن للمياه ونقص في كميات المياة اللازمة للري الزراعي والاستهلاك البشري في أنحاء متفرقة من العالم، الأمر الذي يقلل من فرص الإنتاج الزراعي، كما يحد من إمكانية الوصول إلى المياه للري والشرب، ويشكل تهديداً صريحاً لحق الإنسان في الحصول على الغذاء والماء.
التقلبات المناخية تؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي، الأمر الذي ينعكس على أسعار الغذاء والسلع الغذائية بالارتفاع وصعوبة الوصول إليها أو الحصول عليها، وخاصة للفئات الأشد فقراً. تغير المناخ يزيد من التهديدات البيئية المتمثلة في الفيضانات أو الجفاف، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان المحاصيل وتدمير الموارد الغذائية وتهديد الأمن الغذائي. تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوظائف في قطاع الزراعة، مما يؤثر على دخل الأفراد ويزيد من حدة الفقر، ويحد من فرص الاستثمار، ويتسبب في تهديد مباشر لحقوق الإنسان في الغذاء والأمن الغذائي والعديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، خاصة المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الزراعي.
3 - تأثير التغيرات المناخية على حق الإنسان في المياه:
تتسبب الظواهر المناخية المتطرفة مثل الجفاف في نقص المياه العذبة، الأمر الذي يؤثر على حق الإنسان في الماء والصرف الصحي. يمكن أن يؤدي نقص الماء إلى تدهور الصحة ونقص الغذاء، ويزيد من نسبة الفقر والعنف. تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى نقص الموارد الغذائية ونقص التغذية، مما يؤثر على الحالة الصحية للأفراد ويزيد من حدوث الأمراض المتعلقة بسوء التغذية. يعاني نحو مليون نسمة في زيمبابوي من انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير. كما تشير التقديرات الحالية إلى وجود نحو 1.1 مليار شخص بدون مصدر أمن للمياه. وتشير التقديرات المستقبلية إلى أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمي بدرجة مئوية واحدة سيؤدي إلى معاناة نحو 8 % من سكان العالم من نقص حاد في الموارد المائية. تزداد تلك النسبة إلى نحو 14 %، إذا ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمي بدرجتين مئويتين. تغير المناخ سيحد من توافر المياه في أغلب المناطق شبه المدارية الجافة، كما ستزداد حدة الجفاف في العديد من المناطق الجافة أصلاً، نتيجة لتناقص هطول الأمطار وتقلص تراكم الثلوج، وزيادة التبخر، وتلوث موارد المياه العذبة بارتفاع مستويات سطح البحر.
4 - تأثير التغيرات المناخية على حق الإنسان في المأوى:
لتغير المناخ آثار سلبية وخيمة على الحق في المأوى (السكن)، فحسب توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ، فسيكون لارتفاع مستوى البحر والعواصف تأثير مباشر على الكثير من المناطق الساحلية والمنخفضة. ومن الملاحظ تأثر ملايين الأشخاص والمنازل بالفيضانات في السنوات الأخيرة، كما يتهدد وجود العديد من الدول الجزرية الصغيرة على المدى الطويل جراء التغيرات المناخية. تغير المناخ يؤثر بشكل كبير على حق الإنسان في المأوى. وهذه بعض التأثيرات المتوقعة:
ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة التغير المناخي يهدد المجتمعات الساحلية والجزرية ومناطق السهول المنخفضة بالغرق. فالاحترار العالمى يرفع منسوب مياه المحيطات ويذيب المناطق الجليدية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر. وقد يحول تغير المناخ الجزر إلى أماكن غير صالحة للسكن قبل أن تغمرها المياه، جراء تزايد وتيرة وحدة العواصف أو بسبب اجتياح مياه البحر لمواردها من المياه العذبة. وإذا اضطر سكان الدول الجزرية الصغيرة إلى إخلائها والبحث عن مأوى جديد، فستكون لذلك آثار وخيمة على حقوقهم الإنسانية، بما فيها حقهم في تقرير المصير وفي التنمية.
تكرار وشدة تأثير الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف والجفاف قد تؤدي إلى التشرد القسري، مما ينتهك حق الإنسان في الحماية والأمان، وقد يضطر السكان في تلك المناطق إلى مغادرة منازلهم والبحث عن مأوى آمن. التأثيرات المتزايدة للكوارث الطبيعية المتكررة مع تنامي شدتها وتأثيرها المدمر، إضافة إلى التغيرات في الموارد الطبيعية من حيث النقص أو الفقد، يمثلان ضغوطاً على ساكني تلك المناطق تجبرهم إلى ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أكثر أماناً، مما يؤثر على حقهم في المأوى.
تقلبات المناخ يمكن أن تؤثر على الموارد الطبيعية مثل المياه العذبة والأراضي الصالحة للزراعة، الأمر الذي قد يجعل هذه المناطق غير صالحة للسكن والعيش.
والشكل التالي مأخوذ من دراسة لمركز رصد النزوح الداخلي بالاشتراك مع المركز النرويجي للاجئين، نشرت عام 2021، ويوضح حالات النزوح البشري بسبب الكوارث، خلال الفترة 2008- 2020، موزعة حسب المخاطر. وتشير البيانات إلى أن نحو 11 % من حالات النزوح الداخلي خلال الفترة المذكورة كانت لأسباب جيوفيزيقية (زلازل وبراكين، وغالبيتها بسبب الزلازل 10.5 %)، والنسبة الباقية (99 %) كانت لأسباب متعلقة بالطقس والمناخ (غالبيتها بسبب الفيضانات 49 %، والعواصف 33.7 %)..
هناك مفاهيم خاطئة تحيط بالنزوح الناتج عن الكوارث. فعادة ما ينظر إلى النزوح الناجم عن الكوارث بكونه قصير الأجل، في حين أنه غالباً ما يطول أمده. وكثيراً ما ينظر إلى دور تغير المناخ في الدفع إلى النزوح على أنه دور مباشر، بينما تشير الوقائع الفعلية أن التغير المناخي قد لا يكون سبباً مباشراً في النزوح في العديد من الكوارث، ولكن هشاشة الأوضاع الاقتصادية للسكان وضعف القدرة على التكيف والتخفيف عادة ماتكون وراء النزوح.
حالات النزوح خلال الفترة 2008-2020 بسبب الكوارث موزعة حسب المخاطر
المصدر: مركز رصد النزوح الداخليIDMC) ) والمجلس النرويجي لللاجئين (NRC). (2021). «التقرير العالمي عن النزوح الداخلي 2021». https://www.internal-displacement.org/sites/default/files/publications/documents/IDMC-2021-GRID.pdf
بينما يوضح الشكل التالي التوقعات المستقبلية للنزوح بسب التغير المناخي. وهو مستمد من دراسة للبنك الدولي عام 2018 يوضح تقدير أعداد النازحين داخلياً بسبب التغيرات المناخية وأماكن تمركزهم حتى عام 2050.
تشير بيانات البنك الدولي إلى أنه بحلول عام 2050 سوف يصل عدد النازحين (المهاجرين داخلياً) نحو 143 مليون شخص يتركزون في على ثلاث مناطق رئيسية هي: جنوب الصحراء الإفريقية (بعدد 86 مليوناً، يمثلون نحو 60 % من إجمالي النازحين)، تليها منطقة جنوب آسيا (بعدد 40 مليون نسمة، يمثلون نحو 28 % من الإجمالي)، وأخيراً منطقة أمريكا اللاتينية (بعدد 17 مليون نسمة، يمثلون نحو 12 % من الإجمالي).
تقدير أعداد النازحين داخلياً بسبب التغيرات المناخية وأماكن تمركزهم عام 2050.
المصدر: البنك الدولي. (2018). « الوجه الإنساني للهجرة الناجمة عن تغير المناخ». https://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2018/03/19/meet-the-human-faces-of-climate-migration
5 - تأثير التغيرات المناخية على حق الإنسان في العدالة والمساواة:
عادة مايكون الأشخاص المهمشون (اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً أو بأي شكل آخر) هم الأكثر تأثراً بتغير المناخ. ستؤدي إلتغيرات المناخية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وتقوض الأمن الغذائي، وستوقع مزيداً من الأفراد والأسر في براثن الفقر. تؤثر التغيرات المناخية على حقوق الإنسان في العدالة والمساواة من خلال عدة مسارات:
يحد التغير المناخي من فرص تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بين البشر. يؤدي التغير المناخي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأفراد. يتسبب الجفاف والفيضانات وتقلبات المناخ في فقدان المحاصيل والممتلكات، وبالتالي يؤثر على الدخل وسبل العيش والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وفرص التعافي. ويقع ذلك بشكل أكبر على الفقراء والمجتمعات الهشة والمهمشة، حيث يحد من فرصهم في الوصول إلى الموارد والمعلومات والتكنولوجيا اللازمة للتعامل مع التغير المناخي وللمشاركة في صنع القرارات ذات الصلة.
يحد التغير المناخي من العدالة والمساواة في الحقوق التعليمية. للتغير المناخي تأثير سلبي على الفرص التعليمية. يعاني العديد من الأطفال في المجتمعات المتضررة من التغير المناخي من صعوبة الوصول إلى التعليم بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية القاسية والنزوح. منعت التغيرات المناخية قرابة أربعة ملايين فتاة في الدول منخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط من إكمال تعليمهن عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 5 ملايين فتاة بحلول عام 2025.
إن التصدي لتحديات التغير المناخي يجب أن يتم بطرق تتسم بالعدالة والمساواة، ويجب أن يشارك الأفراد والمجتمعات المتأثرة بالتغير المناخي في صنع القرارات المتعلقة بالتكيف والاحتواء، بما يضمن عدم تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.
6 - تأثير التغيرات المناخية على اختلافات النوع الاجتماعي:
تزيد التغيرات المناخية من اختلافات النوع الاجتماعي وتؤثر بشكل أكبر على النساء والفتيات80% من النازحين بسبب التغير المناخي من النساء، الأمر الذي يجعلهن أكثرعرضة للعنف، وأكثر من 1.5 مليون فتاة يتزوجن مبكراً كنتيجة مباشرة لتغير المناخ. نسب تأثر النساء بالتغيرات المناخية تزداد بمقدار قد يصل لـ14 ضعفاً عن تأثر الرجال، وترتفع حالات الوفاة بين الإناث بشكل يفوق الرجال في حالات الكوارث المناخية.
تتمثل الأسباب الرئيسية لتعرض النساء لأضرار التغيرات المناخية بشكل يتجاوز الرجال إلى الاختلافات الجندرية المتعلقة بالملكية المحدودة للأراضي وصعوبة الحصول على القروض، والمعاملة المختلفة من قبل الأسواق والمؤسسات الرسمية، والتمثيل المحدود للمرأة في جهود مكافحة التغير المناخي وعمليات صنع القرار. تفرض العادات الاجتماعية والموروث الثقافي قيوداً على النساء وتحد من قدراتهن في الحصول على المعلومات والمهارات اللازمة للهروب من المخاطر أو تجنبها عند التعرض للكوارث الطبيعية. فالعادات الاجتماعية والموروث الثقافي المتعلق بعدم تعلم الإناث للسباحة والتسلق، على سبيل المثال، يعيق الإناث من النجاة في حالات حدوث الأعاصير والفيضانات والأمطار الغزيرة، ويعظم من نسب وفيات النساء عند وقوع كوارث طبيعية. بلغ عدد النساء اللواتي قتلن في إندونسيا، جراء تسونامي 2004 ثلاثة أضعاف عدد الرجال، لأن عدداً قليلاً من النساء يجدن السباحة مقارنة بالرجال.
7 - تأثير التغيرات المناخية على الحق في التنمية المستدامة:
تقف التغيرات المناخية حائلاً دون تحقيق ما تهدف إليه التنمية المستدامة من تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي دون الأضرار بالبيئة. التغير المناخي بمظاهره المختلفة يعيق عملية التنمية المستدامة. وعليه فإن التصدي لتحديات التغير المناخي، ماهو في حقيقة الأمر إلا تعزيز لبرامج التنمية المستدامة وضمان لحقوق الأجيال الحالية والمستقبلية.
إن التصدي لتحديات التغير المناخي يعتبر أساسياً لضمان حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة، وهو أمر يتطلب تعاوناً دولياً قوياً وتبني سياسات وإجراءات فعالة للتكيف مع التغير المناخي والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
8 - تأثير التغيرات المناخية على الهجرة البيئية:
يعتبر التغير المناخي أحد العوامل التي تسهم في زيادة عدد اللاجئين البيئيين. يشير مصطلح «الهجرة البيئية» إلى تنقل الأفراد أو المجتمعات عبر الحدود نتيجة لتدهور الظروف البيئية في مناطقهم الأصلية، وتعزى هذه الهجرة إلى التغيرات المناخية المتسببة في اختلالات بيئية تؤثر على قدرة الناس على العيش في مواطنهم الأصلية. تأثير التغير المناخي على الهجرة البيئية يمكن أن يكون متعدد الأسباب. فارتفاع مستوى سطح البحرنتيجة لارتفاع درجات الحرارة وما يتبعها من ذوبان المحيطات والأنهار الجليدية يحول المجتمعات الساحلية والجزرية إلى أماكن قد تصبح غير صالحة للسكن في المستقبل. التغير المناخي من الممكن أن يتسبب في تدهور الموارد الطبيعية المهمة للحياة، مثل المياه العذبة والتربة الصالحة للزراعة. قد يتسبب الجفاف وتغير نمط الأمطار في تقلص المساحات الزراعية وتناقص إنتاجية الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي وزيادة الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. قد يتسبب التغير المناخي في تكرار وشدة بعض الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات والعواصف الرعدية، الأمر الذي يفقد السكان المحليين لمنازلهم ومصادر رزقهم والبنية التحتية. هذه أمثلة لبعض التغيرات المناخية التي يمكن أن تتسبب بالتبعية في تهجير السكان وزيادة عدد اللاجئين البيئيين الساعيين للبحث عن أماكن آمنة للعيش وفرص أفضل للرزق.
هذا وترتبط قدرة الأفراد على الهجرة البيئية، في كثير من الأحيان بسهولة التنقل وتوافر الموارد. وعليه، لن تكون كل الفئات قادرة على الهجرة، فقد تعجز الفئات الضعيفة والمهمشة عن الهجرة، فيضطرون إلى البقاء في أماكن معرضة للأضرار الناجمة عن تغير المناخ. أما الفئات الأكثر قدرة على الهجرة، فقد تكون عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان، لأن هجرتهم غالباً ما تكون في إطار غير قانوني.
تتطلب معالجة قضية الهجرة البيئية، تضافرالتعاون الدولي والجهود المشتركة في تقديم المساعدة الإنسانية والدعم للدول والمجتمعات المتضررة وتعزيز قدرتهم على التكيف والاستعداد للتغيرات المناخية. هذا بجانب تعزيز الجهود الهادفة إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والعمل على تنفيذ اتفاقيات التغير المناخي الدولية للحد من التأثيرات السلبية. هذا وتتطلب مواجهة الهجرة البيئية استراتيجيات متعددة المستويات لحماية حقوق اللاجئين البيئيين والعمل على تخفيف الأسباب الجذرية للهجرة البيئية من خلال التنمية المستدامة والتكيف مع التغير المناخي، وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل في الفصول اللاحقة.