د.خالد السيد حسن
التغيرات المناخية لها تأثيرات عابرة للحدود، الأمر الذي يتطلب استجابات دولية، كما أنه يفرض تحديات دولية أيضاً. سنحاول في هذا الفصل استعراض أهم الاستجابات الدولية المطلوبة لمجابهة التغير المناخي العالمي والتحديات المرتبطة بتلك الاستجابات.
أولاً: الاستجابات:
1 - التعاون الدولي:
نظراً لطبيعة ظاهرة التغيرات المناخية والتي تتجاوز الحدود الوطنية، فإن التعاون الدولي يعد أمراً حيوياً للتصدي لتأثيراتها الضارة. تلعب الجهود المشتركة والتعاون بين الدول دوراً هاماً وحاسماً في تحديد وتنفيذ استراتيجيات فعالة للتكيف والتخفيف. وتتبلور محاور التعاون الدولي في مجالين هامين، وهما:
1.1 تفعيل الاتفاقيات الدولية:
أسفرت الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي العالمي عن عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات المهمة، والتي من أبرزها:
بروتوكول مونتريال لعام 1987: لم يكن يهدف هذا البروتوكول أساساً إلى التعامل مع أزمة تغير المناخ، فقد كان بمثابة اتفاق بيئي صادقت عليه جميع دول العالم تقريباً، وهو يحث على ضرورة التوقف عن إنتاج المواد التي تضر بطبقة الأوزون (مثل مركبات الكلور وفلورو كربون، (CFCs، وقد نجح البروتكول في القضاء على ما يقرب من 99 % من هذه المواد المستنفدة للأوزون.
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992 والمعروفة باسم UNFCCC: تم التصديق على هذه الاتفاقية من قبل197 دولة. وتعتبر هذه الاتفاقية أول معاهدة عالمية تتعامل مع ظاهرة تغير المناخ بشكل صريح. وأنشئت هذه الاتفاقية منتدى سنوياً، يُعرف باسم مؤتمر الأطراف أو «كوب COP»، من أجل تحفيز المناقشات ووضع السياسات والبرامج الكفيلة بخفض تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، مما أسفر في وقت لاحق عن التوصل إلى بروتوكول «كيوتو»، و»اتفاق باريس».
بروتوكول «كيوتو» لعام 2005: وهو أول اتفاق مناخي دولي ملزماً من الناحية القانونية، حيث طالب الدول المتقدمة بخفض الانبعاثات الغازية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 5 %، مقارنة بمستويات عام 1990، كما أنشأ نظاماً لرصد تقدم الدول في تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، لم يلزم بروتوكول «كيوتو» الدول النامية، بما في ذلك الدول الرئيسية المسببة لانبعاثات الكربون في الفترة الأخيرة، مثل الصين والهند، باتخاذ أية إجراءات من أجل خفض هذه الانبعاثات. وقد أدى ذلك إلى عدم تصديق الولايات المتحدة على البروتوكول (ولكنها وقعت عليه في عام 1998، ثم انسحبت منه فيما بعد).
اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي العالمي في عام 2015: وهي أهم الاتفاقيات الدولية لمواجهة التغير المناخي العالمي حتى الآن، حيث طالبت جميع الدول بوضع تعهدات طوعية وصريحة بخفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، فيما يعرف بالمساهمات المحددة وطنياً (NDCs). وتنص هذه الاتفاقية على أن المتوسط العالمي لدرجات الحرارة يجب أن يكون «أقل بكثير» من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، مع إلزام كافة دول العالم بـ «متابعة الجهود» للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. كما تهدف هذه الاتفاقية أيضاً إلى الوصول إلى ما يعرف بـ»الحياد الكربوني» أو «صافي صفر انبعاثات» في النصف الثاني من القرن الحالي، وهو ما يعني تساوي كمية الغازات الدفيئة المنبعثة مع الكمية التي تمت إزالتها من الغلاف الجوي. على أن يتم تقييم التقدم الذي أحرزته الدول في تحقيق أهداف الاتفاقية كل خمس سنوات، من خلال عملية تعرف باسم «التقييم العالمي»، وعلى أن يتم إجراء التقييم العالمي الأول في عام 2023. ورغم أن الكثير من الدول قدمت تعهداتها الوطنية لخفض الانبعاثات والوصول إلى «الحياد الكربوني»، إلا أن هذه الاتفاقية واجهت انتقادات عديدة، يأتي في مقدمتها عدم وجود آليات ملزمة لضمان تحقيق هذه التعهدات، فضلاً عن عدم قيام الدول المتقدمة بتقديم الإسهامات المالية التي نصت عليها الاتفاقية لمساعدة الدول النامية على مواجهة التغير المناخي العالمي. كما أن الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، كانت الدولة الوحيدة التي انسحبت من هذه الاتفاقية في نوفمبر 2020، وذلك في عهد الرئيس السابق «دونالد ترامب»، الذي نظر إلى الاتفاقية باعتبارها «مؤامرة» لتدمير الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك، أعاد الرئيس «جو بايدن» الولايات المتحدة إلى الاتفاقية بمجرد توليه منصبه في يناير 2021.
2.1 التمويل الدولي:
يجب أن تتوفر وسائل تمويل دولية لدعم الدول النامية في التكيف مع تأثيرات التغير المناخي والتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة. وتتمثل أهم مصادر التمويل الدولي لمجابهة التغير المناخي العالمي في: الالتزام بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية من أجل العمل المناخي: أفضت المحادثات العالمية بشأن المناخ عام 2009 إلى الاتفاق على تعبئة 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية لاتخاذ إجراءات مناخية، سواء للتكيف مع تغير المناخ أو خفض الانبعاثات. ومن المفترض أن تأتي الأموال من الدول الأكثر ثراءً، من خلال القنوات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف، بالإضافة إلى الأموال الخاصة الناتجة عن التدخلات العامة. ويمكن أن تتدفق الأموال من خلال مجموعة آليات متنوعة، مثل المنح والقروض والتأمين. لم يتحقق حتى الآن هدف جمع 100 مليار دولار، ولم يكن توزيع الأموال عادلاً. في عام 2020، واستناداً إلى بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، قدمت الدول المتقدمة 83.3 مليار دولار فقط، ذهبت 8 % منها إلى البلدان المنخفضة الدخل، وذهبا 25 % إلى إفريقيا، على الرغم من أن كلاهما معرض بشدة لتغير المناخ وموطن لغالبية الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر. شكلت القروض أكبر فئة تمويلية، ووجهت بشكل رئيسي إلى البلدان المتوسطة الدخل، الأمر الذي يزيد من تكاليف الاستثمار، خاصة وأن العديد من الدول النامية تعاني من أعباء الدين العام الثقيلة وتواجه خيارات ثقيلة مابين تمويل التكيف مع المناخ أو تحسين الخدمات العامة الأساسية. من الضروري الالتزام بمبلغ 100 مليار دولار. إن تحقيق هذا الالتزام يعد تأكيداً على التزام المجتمع الدولي بمبادئ العدالة والإنصاف وبعدم ترك أي شخص خلف الركب، وهما من أهم مبادئ حقوق الإنسان الدولية.
زيادة التمويل للتكيف مع تأثيرات المناخ: ألزم اتفاق باريس الدول بالعمل من أجل صفر صافي انبعاثات، بجانب التكيف مع تغير المناخ. ويعتبر التكيف أولوية أولى للبلدان المنتجة لانبعاثات قليلة ولكنها متأثرة بشكل أكبر من تداعيات التغيرات المناخية، كما هو الحال بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة والدول النامية والبلدان الأقل نمواً. الأمر الذي يعني وجود ما يقرب من نصف سكان العالم في مناطق خطر مناخي، يكون الناس فيها أكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية بـ15 ضعفاً عن السكان في المناطق الآمنة مناخياً أو الأقل خطراً. وعليه فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى مضاعفة التمويل المخصص لأغراض التكيف من تأثير التغيرات المناخية، وأن يتم توزيع هذا التمويل بشكل عادل وبطرق لا تفرض قيوداً إضافية على البلدان والأفراد. فقد لوحظ أن أكثر من 60 % من تمويل التكيف مع التغير المناخي عبارة عن قروض بدلاً من المنح، وأن حصة القروض من هذا التمويل في ارتفاع مستمر، مما يدعو إلى القلق.
من المؤكد أن ارتفاع وتيرة التغيرات المناخية يحتم زيادة تكلفة التكيف. من المقدر أن تحتاج الدول النامية، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى إنفاق نحو 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030 على برامج التكيف، ترتفع إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2050. تدفقات التمويل الحالية لا تمثل سوى 10 - 20 % من تلك التقديرات. قدرت مبادرة سياسات المناخ إنفاق العالم حالياً على التكيف المناخي بأقل من 50 مليار دولار سنوياً، أي أقل من 10 % من الاستثمارات المناخية المطلوبة بشكل عام. وعلى الرغم من التزام الدول الصناعية الكبرى والمتسببة في الجزء الأكبر من الانبعاثات المناخية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية لأغراض التكيف المناخي، فإن ما تم تخصيصه عام 2022 بلغ حوالي 31.7 مليار دولار فقط، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
إصلاح البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى: إن النظام القائم لإقراض الدول من أجل المناخ والتنمية المستدامة «محدود الأفق وعرضة للأزمات ولا علاقة له بالواقع الاقتصادي اليوم». كما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة. فالعديد من الدول الراغبة في الاستثمار في العمل المناخي لا تستطيع تحمل تكاليفه. تعاني حالياً 52 دولة نامية من مشاكل ديون حادة. وهي موطن لـ40 % من إجمالي الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع؛ نصف هذه الدول من بين الأكثر عرضة للتغيرات المناخية في العالم. سوف تزيد تكاليف التمويل الباهظة من أعباء الديون الوطنية التي لا يمكن تحملها. وعليه فإن إصلاح النظام المالي الدولي لجعل تمويل المناخ والتنمية أقل تكلفة وأكثر ملاءمة من شأنه أن يعزز تمويل التنمية المستدامة والتكيف مع التغير المناخي.
2 - تكنولوجيا المعلومات والابتكار:
وفقاً للمبادرة العالمية للاستدامة الإلكترونية (GeSI) فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لديها القدرة على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم بنسبة 20 % بحلول عام 2030 من خلال مساعدة الشركات والمستهلكين على الاستخدام الذكي، وتوفير الطاقة.
يعتبر مصطلح «التكنولوجيا الخضراء أو النظيفة Green Technology GT» تطبيقاً تقنياً لحماية البيئة، والمساهمة في وضع الحلول التكنولوجية للحد من انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري. وتعتبر التكنولوجيا الخضراء نقلة مهمة في الاستخدامات التكنولوجية لتحقيق التوظيف الأمثل للموارد وتحقيق الأهداف بأقل تكلفة وأكثر جودة واستدامة. وقد ساهمت التكنولوجيا الخضراء في بروز مصطلح «الاقتصاد الأخضر» كمدخل جديد للتعامل الكفء مع التطبيقات التكنولوجيا في مجال الصناعة، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني، ومعالجة الأضرار البيئية والصحية على الإنسان والبيئة المحيطة به. ويعزز التوجه نحو التكنولوجيا الخضراء البحث والاعتماد على مصادر بديلة للطاقة، تكون صديقة للبيئة للإنسان في آنٍ واحدٍ.
كما تساهم تطبيقات التكنولوجيا الخضراء في مواجهة آثار التغير المناخي، وخفض الانبعاثات أو الحد منها. فهي تسعى إلى التحول في مصادر الطاقة تجاه الطاقة النظيفة (الجديدة والمتجددة)، وزيادة الطلب عليها، وعلاقة ذلك بتحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة 2030. ومن أهمها تقليل النمو في استهلاك الطاقة مع تعزيز التنمية الاقتصادية. تسهيل نمو صناعات التكنولوجيا الخضراء وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني، وزيادة القدرة الوطنية على الابتكار. بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة للأجيال القادمة، والعمل على تعزيز دور التعليم والوعي بالتكنولوجيا الخضراء، وتشجيع استخدامها على نطاق واسع.
ومما لا شك فيه، فإن تطبيقات التكنولوجيا الخضراء تحقق العديد من المكاسب، فهي تساهم في تحول الاقتصاد الصناعي التقليدي إلى الاقتصاد الأخضر غير الضار بالبيئة، وتساعد في تحقيق التقدم في استخدام الطاقة المتجددة ما يعزز من النمو الاقتصادي. فضلاً عن الحد من الانبعاثات الكربونية، ومواجهة آثار التغير المناخي. بالإضافة إلى تحسين الصحة العامة والحفاظ على الموارد البشرية، وتوفير فرص العمل، ومواجهة البطالة، والحد من هدر الموارد.
3 - تعزيز التكيف والاستدامة:
تعزيز التكيف والاستدامة مع التغير المناخي العالمي يعتبر أمراً حيوياً للحفاظ على البيئة وضمان استمرارية الحياة على كوكب الأرض. يشير التكيف إلى القدرة على التعامل الفعال للحد من آثار التغير المناخي. ويشمل ذلك تطوير سياسات بيئية واقتصادية مستدامة، وتبني تكنولوجيا نظيفة، وتحسين نظم الإنذار المبكر للكوارث للحد من تأثير الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف، وتطوير التقنيات الزراعية المقاومة للجفاف، واتخاذ إجراءات حافزة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتطوير البنية التحتية للمدن والمجتمعات الساحلية لمواجهة ارتفاع منسوب سطح البحر.
بينما تشير الاستدامة إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية للأجيال الحالية والمستقبلية. وهي تتطلب اعتماد سلوكيات وأساليب حياتية تحافظ على التوازن بين استخدام الموارد وإعادة تجديدها. يمكن تحقيق الاستدامة من خلال تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وتطبيق مبادئ الإنتاج النظيف، واتخاذ إجراءات حافزة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
بشكل عام، يجب أن يتم دمج جهود تعزيز التكيف والاستدامة معاً لضمان حماية البيئة والحفاظ على جودة الحياة. يتطلب ذلك تعاوناً دولياً قوياً وجهوداً مشتركة من قبل الحكومات والشركات والمجتمع المدني لتحقيق أهداف مستدامة والتصدي لتحديات التغير المناخي. ويجب أن تتضمن تلك الجهود تعزيز المرونة الاجتماعية والاقتصادية وتنمية البنية التحتية المستدامة.
4 - تعزيز التوعية والشراكات:
التوعية والمشاركة المجتمعية يعتبران جزءاً هاماً من الاستجابة العالمية لحماية البيئة والتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من تأثيرها على حقوق الإنسان.
من خلال التوعية، يمكن للأفراد والمجتمعات تفهّم العلاقة بين التغيرات المناخية وحقوق الإنسان، وكيف يمكن أن يؤثر التدهور البيئي على حياتهم ومعيشتهم. المشاركة المجتمعية عن طريق تقديم التدريب والتعليم وتطوير المهارات تعزز من قدرات الأفراد والمجتمعات في التعامل مع التغيرات المناخية. المشاركة المجتمعية الفعالة للأفراد والمجتمعات تعزز عمليات صنع القرار المتعلقة بالسياسات البيئية والمناخية على المستوى المحلي والوطني والعالمي، وتضمن لها النجاح حيث إنها تكون نابعة من الاحتياجات الفعلية للأفراد والمجتمعات. أنشطة التوعية والتثقيف حول التغير المناخي تشمل تقديم المعلومات الكاملة والحديثة عن أبعاد المشكلة المناخية، ولكي يتم ذلك بشكل فعّال ومؤثّر لابد من الشراكة والتعاون مع المؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام.
يمكن للهيئات الحكومية أن تلعب دوراً رئيسياً في توجيه الجهود الوطنية وتنفيذ سياسات وبرامج مكافحة التغير المناخي وحماية حقوق الإنسان المتأثرة. كما أنها تتبنى التشريعات والقوانين البيئية ووضع السياسات البيئية المستدامة وتنفيذها بشكل فعال.
يمكن للقطاع الخاص أن يسهم بشكل كبير في التكيف مع التغيرات المناخية وحماية حقوق الإنسان. يمكن للشركات والمؤسسات الخاصة تبني مشروعات وممارسات وأعمال مستدامة، مثل تحسين كفاءة استخدام الطاقة والموارد، وتطوير تكنولوجيا نظيفة، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية والبيئية في سلاسل التوريد .
للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والمجموعات الحقوقية دورٌ هامٌّ في تعزيز التوعية والتعليم والمشاركة المجتمعية. يمكنهم تنظيم حملات توعية وتثقيف والعمل على تعزيز الوعي بأهمية حماية البيئة وحقوق الإنسان والتأثير في صنع القرار.
المشاركة المجتمعية تعزز من دور المجتمعات المحلية في اتخاذ إجراءات التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها. كما أنها تعزز التعاون والتنسيق بين الحكومات المحلية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والأفراد لتطوير وتنفيذ استراتيجيات ومشاريع تهدف إلى حماية البيئة والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
التوعية والمشاركة المجتمعية تساهم في تحقيق العدالة البيئية وحقوق الإنسان، من خلال زيادة الوعي وتعزيز المسؤولية الاجتماعية والبيئية لدى الأفراد والمجتمعات. التوعية والمشاركة المجتمعية يمكنها إحداث التغييرات السلوكية والتقنية المطلوبة، والتي تعزز الاستدامة وتحمي البيئة وتحقق توازناً بين حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
وأخيراً، فإن التوعية والمشاركة المجتمعية تلعب دوراً حيوياً في استجابة القطاع العام والخاص والمجتمع المدني للتغيرات المناخية وحماية حقوق الإنسان المتأثرة بها. يتطلب التصدي للتحديات البيئية والاجتماعية المرتبطة بالتغير المناخي تعاوناً شاملاً بين تلك القطاعات في مسارات الحوار، بما يحقق التفاهم والتعاون ويسهم في تطوير استراتيجيات شاملة لحماية البيئة وتكييف المجتمعات مع التغيرات المناخية، مع الحفاظ على حقوق الإنسان وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
ثانياً: التحديات:
تتمثل أهم التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في الإخفاقات السابقة في تنفيذ الاتفاقيات العالمية لمواجهة التغير المناخي، وتأتي في مقدمة تلك الإخفاقات:
1 - ضعف التعاون الدولي:
التعاون الدولي في مواجهة التغيرات المناخية غير كافٍ ومعقد. تواجه الاتفاقيات الدولية صعوبة في التوصل إلى اتفاقات ملزمة وتنفيذها بشكل فعال، خاصة من قبل الدول الصناعية الكبرى، بسبب اختلاف المصالح والأولويات بين الدول. ولعل أهم أوجه ضعف التعاون الدولي تتمثل في:
التراجع عن الالتزام بمساعدة الدول النامية: على الرغم من تعهد الدول المتقدمة في عام 2009 بزيادة مساعداتها المناخية للدول النامية إلى مائة مليار دولار سنوياً اعتباراً من عام 2020، إلا إنها تراجعت عن تقديم تلك المساعدات. كذلك، بالنسبة لتعهدات جلاسكو للمناخ- التي حثت البلدان المتقدمة على الوفاء بكامل تعهداتها بتمويلات المناخ السنوية حتى عام 2025. ولا يزال الأمر غير واضح، متى سيتم جمع هذا المبلغ بالكامل؟. مع العلم أن تلك المساعدات يجب أن تتم من مصادر جديدة وإضافية وحكومية وليس استقطاعاً من المساعدات التنموية القائمة بالفعل، وأن تكون هذه المساعدات أيضاً في شكل هبات ومنح، وليس في شكل قروض تزيد من عبء الديون على الدول الفقيرة. تحتاج الدول النامية إلى دعم مالي وتكنولوجي للتكيف مع التغيرات المناخية وتخفيفها، كما تواجه بتحديات كبيرة في تأمين التمويل اللازم لمشاريع التكيف والتخفيف وتنفيذ الخطط الوطنية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم حالياً وتحديات في الحصول على التمويل اللازم. وهو ما قد يقف حائلاً دون تحقيق استجابات فعالة في مجابهة التغير المناخي العالمي.
عدم وجود آلية تعويض عن الخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي: عرقلت كلٌّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اقتراحاً قدمته الدول النامية لإنشاء آلية للتعويض عن الخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي، تأتي في مقدمتها الآثار المدمرة للعواصف والجفاف، وموجات الحر المتزايدة. إلا أن تعهدات جلاسكو قد توصلت إلى تقدم ملموس من حيث إقرار حق الدول النامية في الحصول على تعويض عن تلك الخسائر، وكذلك قبول الدول المتقدمة مواصلة المناقشات حول تطوير هذه الآلية مستقبلاً، بعد رفض تام لمناقشة هذا الأمر طوال السنوات الماضية.
2 - تحديات الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة:
تواجه الدول تحدياً في الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة نظيفة ومستدامة. الاعتماد العالمي على الفحم والنفط والغاز الطبيعي ما زال يسهم في ارتفاع انبعاثات الكربون وتغير المناخ.
3 - تحديات تكنولوجيا المعلومات والابتكار:
تباين الدول في قدرتها ورغبتها في الانتقال من الاقتصادات التي تعتمد على الكربون إلى الاقتصادات الخضراء يمثل واحداً من أهم تحديات مجابهة التغير المناخي العالمي، حيث تظهر العديد من الدول المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء اختلافات في قدرتها على تحمل تكاليف التحول وفي الأولويات والمصالح الوطنية. يمكن أن يؤدي هذا التباين إلى تعثر التعاون الدولي وتأخير اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة التغير المناخي. إن التحول نحو التكنولوجيا الخضراء ما زال يواجه بالعديد من التحديات، لعل من أبرزها ما يلي:
- دعم ونشر الأفكار المتعلقة بتطبيقات التكنولوجيا الخضراء وإنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة.
- توفير التمويل اللازم لدعم مشروعات التحول نحو التكنولوجيا الخضراء.
- دعم برامج البحث والتطوير في مجال تطبيقات التكنولوجيا الخضراء. خاصة في مجالات إيجاد حلول لمشاكل إدارة النفايات والطاقة والانبعاثات، ولمواجهة عقبات إنشاء المدن والمباني الذكية الموفرة في استهلاك الطاقة، واعتماد طابع عمراني صديق للبيئة.
- كيفية توظيف الحلول التقنية في الحد من انبعاثات الكربون، والاحتباس الحراري. وخفض تكاليف موارد الطاقة، وتحقيق الاستخدام الأمثل لها.
- تطوير ورفع كفاءة البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وترشيد استخدام الطاقة باستخدام تكنولوجيا منخفضة الاستهلاك لها.
4 - التحديات الاجتماعية والاقتصادية:
تزيد التغيرات المناخية من معدلات الفقر والتفاوت الاقتصادي وتقلص فرص العدالة الاجتماعية والمساواة في العالم. الدول والمجتمعات الأكثر ضعفًا وفقراً هي الأكثر تضرراً من تأثيرات التغير المناخي، مما يزيد من الاختلافات في حقوق الإنسان وفرص التنمية.
إن نجاح الاتفاقيات العالمية لمواجهة التغير المناخي في السنوات القادمة سوف يتوقف إلى حد كبير على قدرة صانعي القرار على استيعاب خطورة التغير المناخي العالمي، والسمو فوق المصالح الضيقة والمتعارضة للدول والحكومات، والإدراك التام أننا نعيش في كوكب واحد مترابط الأجزاء، ويعتمد مصيره على تعاون كافة الدول والجماعات، وأن الإضرار به لن يقتصر على منطقة دون أخرى، بل يطول كل الدول. إن الدول النامية والمتقدمة على السواء لديها مصالح مشتركة ومسؤولية جماعية للحد من التغيرات المناخية، وهو ما يفرض على صانعي القرار في الحكومات والمستثمرين تعبئة الموارد لإحداث انتقال ملموس في خمسة مجالات اقتصادية رئيسية، وهي: الطاقة، والمياه، واستخدام الأراضي، والصناعة، والمدن، والاستثمار في مجالات الاقتصاد الأخضر، وتكنولوجيات الطاقة النظيفة.