د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
قصة دولة تتحرك بسرعة الضوء نحو المستقبل، حيث تمتلك بنية صناعية تساعدها في سرعة التحول، فمعظم التقنيات العالمية صُنعت بمواد تُنتج في السعودية، فأغلب مكونات الهواتف مثلاً مكوناتها مصنوعة في السعودية، وكذلك بقية الصناعات التقنية الأخرى، وبشكل خاص 40 في المائة من المواد الأولية لصناعة الهواتف تم تصنيعها في السعودية، سابك ثاني أكبر شركة في العالم تصنع المواد الأولية، وآرم مصنعة المعالجات التي يملكها سوفت بنك وصندوق رؤية السعودية.
ومن أجل استفادة السعودية من قدراتها التنافسية لاقتصادها وقيادتها وموقعها في قلب الأمة العربية والإسلامية وأيضاً العالمية مدعومة بالطاقة الرقمية والقوة الاستثمارية بعدما أودعت الدولة 100 مليار دولار في صندوق الرؤية لدعم القدرات التقنية لتخطو نحو المستقبل بسرعة الضوء وستشكل أسرع تحول في التاريخ، وهي تطمح لقيادة مسيرة التصنيع المستدام في قطاعي الإلكترونيات والصناعات المتقدمة عبر شركة آلات التي أنشأتها حديثاً.
لذلك نظمت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز معرضاً تقنياً هو الأكبر من نوعه في الرياض من 4-7 مارس 2024 (لبيب 24) وسط مشاركة أكثر من 1800 جهة دولية ومحلية عارضة، وما يزيد عن 1000 خبير تقني بالإضافة إلى 600 شركة ناشئة ليسلط الضوء على أحدث الصناعات التقنية، وهو نقطة التقاء المهتمين والمختصين في مجال التقنية حول العالم.
شاركت في هذا المؤتمر كبرى شركات التقنية في العالم وعلى رأسها غوفل، مايكروسوفت، أوركل، ديل، سيسكو، ساب، أمازون، ويب سيرفس، علي بابا، هواوي، إريكسون، وغيرها من الشركات العالمية.
ضمن مساعي التحول الرقمي، أطلقت السعودية مشروعات استثمارية ضخمة تجاوزت قيمتها الـ 11.9 مليار دولار، بجانب استثمارات قيمتها 9 مليارات دولار في العام الماضي والتي تعد الأكبر في المنطقة لدعم قطاعات التقنيات الناشئة والعميقة والابتكار والحوسبة السحابية، من أجل أن تتحول السعودية إلى منصة للقفز نحو العالم الجديد، لأنها حريصة على التحول من الحركة إلى الإنجاز إلى الأثر المتعاظم والمتضاعف، حيث كشفت أرامكو عن إطلاق أول نموذج اصطناعي توليدي بالعالم في القطاع الصناعي في المعرض، كما أعلنت شركة أمازون ويب سيرفيسر منطقة سحابية فائقة السعة في السعودية باستثمارات تصل إلى 5.3 مليار دولار، وذلك ضمن إطار التزامها طويل الأمد في السعودية، من أجل توفير الأمن والمرونة التي تضمنتها البنية التحتية في جهود التحول الرقمي لتلبية الطلب سريع النمو، ليس هذا فحسب، بل للتبشير ببزوغ فجر جديد من التميز التكنولوجي والابتكار في السعودية تحفز جهود البحث والابتكار، باعتبار أن الشراكات الاستراتيجية هي مفتاح النجاح والتقدم وتمكين رواد الأعمال للإسهام في تحقيق الرخاء في المنطقة.
استثمرت شركة آلات التي أنشأها صندوق الاستثمارات توقيع عقد شراكة لدعم منظومة أشباه الموصلات في السعودية لجعل السعودية مركزاً عالمياً لهذه الصناعة الاستراتيجية لتحقيق التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في قطاع الطاقة والصناعة من خلال توطين أشباه الموصلات وتطوير قدرات الكوادر البشرية على تصميم وتصنيع تلك الرقائق في السعودية، لتحقيق إمكانات تقنية تفاعلية تشارك في إعادة رسم الغد.
لابد أن نستعد وأن نكون منصة بديلة للصراع التجاري بين أمريكا والصين، ورغم الصراع التجاري فإن أمريكا تهتم بالسوق الصيني الضخم كما تهتم الصين بالأسواق الضخمة في أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط وبشكل خاص دول الخليج، فهناك إقبال فاتر من المشترين في أكبر أسواق الاستهلاك في العالم، حيث تتدحرج مبيعات أجهزة أيفون التي تصنعها شركة أبل في الصين إلى الوراء منذ عام 2024 حيث تراجعت بنسبة 24 في المائة خلال أول ستة أسابيع من السنة الجارية دفعها إلى المركز الرابع بين بائعي الهواتف الذكية في الصين، بسبب تعثر السوق الأوسع نطاقاً، وبسبب المنافسة القوية من الشركات المحلية والتحسينات التي أجرتها شركة هواوي على عمليات الإنتاج مكنت الشركة من تلبية الطلب المتزايد على سلسلة هواتف ميت 60 الشهيرة.
فقدت أبل لقب صانعة الهواتف الذكية الأكثر مبيعاً في الصين لصالح فيفو، وهي شركة تصنيع صينية تأسست عام 2020 ويقع مقرها في مدينة دونغوان بفضل الأداء الأفضل على صعيد استهداف الفئة منخفضة الدخل، رغم ذلك شهدت الشركتان تراجعاً حيث هبطت السوق 7 في المائة بعدما حققت أيفون الأكثر مبيعاً في السوق الصينية للمرة الأولى في 2023 وبيع نحو 234 مليون جهاز لتصل حصتها العالمية إلى 20.1 في المائة، أي ارتفعت نسبة الشركة 3.7 في المائة مقابل انخفاض السوق العالمية بنحو 3.2 في المائة ليصل إجمالي المبيعات 1.17 مليار وحده رغم المنافسة المحلية الشرسة والعقوبات الحكومية المتزايدة ضد التكنولوجيا الأميركية، كذلك هواوي فقدت مكانتها كإحدى أفضل شركات الهواتف الذكية بعدما عزلتها الولايات المتحدة عن الموردين الأجانب في 2019 تستعيد مكانتها من جديد، واستطاعت التصدي لقيود خصمها الجيوسياسي الأبرز رفعت حصتها من 9.4 في المائة إلى 16.5 في المائة، فيما بلغت حصة أبل 15.7 في المائة متراجعة من 19 في المائة قبل سنة.
ما يعني أن القطاع الصناعي من أكثر القطاعات عرضة للتأثيرات الناجمة عن التغيرات في البيئة الاقتصادية الدولية أدت إلى تغيرات هيكلية، وأفرزت وضعاً جديداً تمثل أساساً في الحركة المتزايدة لرؤوس الأموال الأجنبية، والتوسع السريع في الإنتاج الدولي وفي التجارة، بالإضافة إلى التطور التكنولوجي الهائل ونقل التكنولوجيا، ما أدى بالدول أن تقع تحت هاجس التنافس على الصعيد الدولي، والسعي نحو اقتحام الأسواق الدولية، وتحسين قدرتها التنافسية.