العقيد م. محمد بن فراج الشهري
تعمل الحكومة الإسرائيلية منذ فترة على تمويل مشروع «البقرة الحمراء» الذي يهدف إلى بناء الهيكل اليهودي المزعوم في باحات الحرم القدسي الشريف، حيث يأتي هذا المشروع بتنظيم وإشراف من «معهد بناء الهيكل» الإسرائيلي الذي يستثمر الجهود والأموال الكثيرة للعثور على «البقرة الحمراء»، التي من خلالها سيتم تنفيذ بعض الطقوس الضرورية لبناء وإقامة الهيكل.
وفقاً لموقع «المركز الفلسطيني للإعلام»، فإن الصهيونية الدينية كانت هامشية خلال «تأسيس الحركة الصهيونية وتأسيس الكيان السياسي». لكن هذا التيار «يتوسع اليوم ويتقدم الطليعة التي تناضل من أجل الاستيطان في الضفة الغربية»، رغم أن البقرة الحمراء ليست متعلقة مباشرة ببناء المعبد، وإنما ترى الجماعات الدينية أن الطهارة التي يمثلها وجود هذه البقرة وإجراءات ذبحها وحرقها شرط لتمكين اليهود جميعاً من دخول المسجد الأقصى، ما سيفتح المجال لاحقاً لإمكانية بناء المعبد.
الاستدعاء الديني اليهودي:
يعد إشعياء نبياً من أنبياء الله عند اليهود، ولُقّب بـ»النبي الإنجيلي» لكثرة كتابته عن المسيح. ويتكون «سفر إشعياء» من 66 إصحاحاً، ويعد نصاً رئيسياً من العهد القديم، وهو ليس بنبوءة واحدة، وإنما عدة نبوءات، منها ما تحدث عن سبي الشعب اليهودي إلى بابل وعودته، بالإضافة إلى إعادة بناء الهيكل في القدس. وتنحصر نبوءاته في ثلاثة أوجه: الأول: نبوءات دنيوية عن إسرائيل، والثاني: نبوءات مشؤومة عن سقوط بعض الدول ودمارها، والثالث والأخير: خلاص اليهود.
وقد ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «نبوءة إشعياء» خلال خطاب متلفز يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2023، حيث استلهم تشبيهاً من الفقرتين 1 و2 في الإصحاح 9 من سفر إشعياء. وكأن إسرائيل هي أهل النور الذين يجب أن ينتصروا على أهل الظلام، أي الفلسطينيين، في السياق الجيوسياسي الحالي.
استخدم اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ فترة طويلة النصوص التوراتية لتبرير قتل الفلسطينيين. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «عليك أن تتذكر ما فعله بك العماليق، كما يقول كتابنا المقدس، ونحن نتذكر».
ويسمع اليهود عادة قصة كمين عماليق، وأمر الله بإبادتهم في خدمة السبت، ولا يزال شائعاً عند المتطرفين الإسرائيليين أن الفلسطينيين «عماليق» العصر الحديث.
طقوس استعلائية:
تكفي نظرة واحدة لحال الكهنة والرهبان في القدس لتكشف مدى الاضطهاد اليهودي للمسيحيين، إذ تزايدت خلال السنوات الماضية ظاهرة «البصق» التي يتعرض لها هؤلاء الكهنة من متطرفين يهود، إضافة للشتائم وتحطيم الممتلكات وتدنيس القبور المسيحية وتحطيم شواهدها.
وكشفت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، في تقرير بتاريخ 27 ديسمبر 2013، جانباً من معاناة 550 كاهناً وراهباً في القدس، يتعرضون للإهانة والشتم والكتابات العنصرية على الكنائس والأديرة.
دور الحاخامات في الحرب:
دخلت المؤسسة الحاخامية على خط معركة غزة، فقد وقع عشرات الحاخامات الإسرائيليين رسالة موجهة إلى بنيامين نتنياهو وكبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين، أكدوا فيها أن الشريعة اليهودية لا تحظر قصف المستشفيات إذا كان «الأعداء» يستخدمونها في جهودهم العسكرية أو يستخدمون المدنيين فيها دروعاً بشرية، مشترطين أن تُرسل تحذيرات قبل القصف وفقاً لوسائل إعلام عبرية.
ضمت قائمة الذين وقعوا الرسالة عدداً من الحاخامات المعروفين بآرائهم المتشددة ومعاداتهم للفلسطينيين والتحريض ضدهم، وأحد أبرز هؤلاء دوف ليور الحاخام اليميني الزعيم الروحي لما يُعرف بحركة «الصهيونية الدينية»، كما يعُرف بأنه الزعيم الروحي لإيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، وأحد أشد ساسة إسرائيل تطرفاً. ودعم ليور دائماً استمرار بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية، انطلاقاً من عدم اعترافه بحق الفلسطينيين في امتلاك الأراضي. لقد تماهت المؤسسة الحاخامية مع الخطاب السياسي الرسمي لنتنياهو، وتخلى عدد معتبر منهم عن الزي الكهنوني وارتدوا زي المقاتلين العسكري.
غير أن الأهم من تلك المشاركة الفعلية في القتال، الدور الذي قام به الحاخامات لإضفاء مشروعية دينية على الحرب، من خلال ترسيم العمليات العسكرية ضد المدنيين في غزة بمباركة توراتية، واختراع مفاهيم أخلاقية جديدة لتبرير ما يجري بحق الفلسطينيين. إذ استحدث الحاخام مانيس فريدمان ما سماه «قيم التوراة» أو «الطريقة اليهودية» في الحرب الأخلاقية؛ رافضاً حسب تعبيره «الأخلاقيات الغربية» في الحرب. تقوم هذه الطريقة اليهودية على «تدمير الأماكن المقدسة للفلسطينيين، وقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم ومواشيهم». وفقاً لفريدمان، فإن العيش وفق «قيم التوراة» سيجعل من الإسرائيليين «النور» الذي سيشع على الأمم التي تعاني الهزيمة بسبب الأخلاقيات المدمرة التي اخترعها الإنسان، والتي تنهى عن قتل المدنيين والأطفال، وتدعو إلى تجنب قصف أماكن محددة كالأماكن المقدسة وغيرها. ويرى أن أول رئيس وزراء إسرائيلي سيعلن أنه يتبع العهد القديم سيجلب السلام إلى المنطقة.
الإعلام المتدين:
كان التحريض الديني على أشده في وسائل الإعلام الرسمية وفي المواقع الإسرائيلية الإلكترونية، لدرجة أن وسائل الإعلام الغربية فطنت لمسألة المرجعية الدينية في التحريض الإعلامي الإسرائيلي على الفلسطينيين بالتوازي مع العدوان على غزة. وأشارت وسائل إعلام غربية بوضوح إلى حديث نتنياهو عن «أطفال الظلام» مقابل «أطفال النور»، وحتمية قتل من يقف في طريق نور الدولة اليهودية حتى لو كانوا أطفالاً. بالطبع، هو يتكئ في ذلك على نبوءة إشعياء.
ورغم تحريض الآلة الإسرائيلية الإعلامية على تبرير القتل بشكل وحي، فإن أصواتاً يهودية عالمية رفضت التعاطي بالرؤية الدينية نفسها، معللة بأن الديانة اليهودية تجلب الإشارات والمعاني المقدسة للحياة وليس القتل والتشريد.
يبدو أن دعاية الإبادة صارت عبئاً على الجيش الإسرائيلي والحكومة والداعمين لهما، وهي تقود كل من يتواطأ معها إلى ثقب أسود، ينزع عنه القناع الأخلاقي والمصداقية.