عبدالله إبراهيم الكعيد
سبق وأن كتبت عن العالم الافتراضي ولجوء البعض إليه هرباً من عالم الواقع. اليوم أقرأ في التاريخ الاجتماعي للوسائط «من غتنبرغ إلى الإنترنت» من تأليف آسا بريغز وبيتر بورك. خصص المؤلفان فصلاً في آخر الكتاب بعنوان (الخلاصة، إلى الفضاء الرمزي)، ومفردة الفضاء الرمزي قد اُستُخدمتْ من قبل حيث استخدمها كاتب الخيال العلمي المعروف «ويليام جبسون» عام 1984 إذ تخيّل آنذاك ارتباط كل شبكات الحاسب على مستوى العالم ويكون الدخول إلى الفضاء الرمزي من خلال مركب. (ربما يقصد بالمركب الويب). يُبسّط المؤلفان الحكاية بقولهما: إن التلفزيون والفيديو والألعاب الإلكترونية وتطبيقات الإنترنت تشكّل جميعها نظاماً إلكترونياً شاملاً تتداخل أشكاله المتنوعة لتؤلف عالماً بديلاً ومطلقاً يدمج المشاهد/ المستخدم بشكل متفرّد في دولة غير مركزية مكانياً، ويضعف فيها تأثير الزمان، ومتحررة إلى حدٍ بعيد من المادة. قبل دخول الإنترنت إلى بلادنا وتغلغلها في مفاصل حياتنا والاعتماد على تطبيقاتها لم نك نتخيل فضاء غير فضائنا المفتوح ولا عالم غير عالمنا الواقعي بمعنى لم يدر بخيالنا (أقصد عامة المجتمع من غير المتخصصين) أنه سيأتي يوم يُقال لنا أنكم ستعيشون في عالم افتراضي وآخر رمزي متحرّك وستزورون أماكن وتلتقون بأممٍ أمثالكم يحادثونكم وتُحادثونهم وربما تعقدون معهم الصفقات والعقود دون أن تتحركوا قيد أنملة من أماكنكم! من منّا كان سيُصدق مثل هذا الكلام لو قيل قبل حوالي ثلاثة عقود فقط من يومنا هذا؟ أذكر وتذكرون انتشار محلات ما يُسمى بـ(الألعاب الإلكترونية) وإقبال الصغار والشباب على ارتيادها للترفيه عن النفس. بمقارنة تلك المكائن الكبيرة والآلات التنكيّة (الصفيح) بألعاب البلاي ستيشن اليوم وألعاب تطبيقات الإنترنت تعتبر بدائية جداً. اليوم يستطيع أي صغير في قرية من قرى بلادنا أن يلعب مع شريك له في أي بقعة على هذا الكوكب وكأنهم لصق الكتف بالكتف. هذا هو الفضاء الرمزي والدخول إلى الدولة الافتراضية دون الحاجة إلى تذاكر طيران أو جوازات سفر أو حتى الخروج من باب الغرفة الخاصة بصغيرنا/ صغيرتنا.
حسناً... هل كل تلك المُدهشات والمتغيرات بلا ثمن؟ وأي ثمن تتكلم عنه أيها الكاتب؟ يبدو بأنك ستُخيف الناس كما عرفنا عنكم يا جيل ألعاب (الكعابة، والدنانة، عظيم ساري، وأم تسع). أقول لن أفتي بما ليس لي بهِ علم، لكنني سأستشهد بأهل العلم. يُشير الكاتب الياباني «يو شين كو» في مقال له نُشر عام 2022 مُعتمداً على دراسة علمية بقوله: تحفز تلك الألعاب وتدفع الأطفال والمراهقين بسبب التوتر والغضب فقدان الروابط الاجتماعية لمهاجمة الآخرين، وتمتد إلى حوادث إطلاق النار في المدارس، مع وضع البعض خططاً للهجمات باستخدام برامج الألعاب نفسها. (هناك دراسات وأبحاث كثيرة حول هذا المأزق بالإمكان الرجوع إليها بسهولة على الإنترنت).
في الخاتمة أقول رغم أنني لا أميل كثيراً لتصديق منظمة الصحة العالمية بعد حكاية كورونا إلا أنني سأستشهد بقولهم «صنفت المنظمة في عام 2019 الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو مرضاً خطيراً ينبغي العلاج منه». دمتم بخير.