منصور ماجد الذيابي
كنت ذكرت في مقالات سابقة عن الأوضاع الأمنية في فلسطين بعنوان «أفق الحل لإنهاء الحرب», و»الوقود مقابل اليهود», و»بناء المستوطنات وهدم الثقافات» أن بعضاً من دول العالم التي سبق وأطلقت عمليات حربية وارتكبت جرائم إبادة جماعية باستخدام آلات الحرب المدمّرة بحثاً عن الأمن والنصر بين أشلاء الجثث وتحت أنقاض المباني, لم يتحقّق لها حتى اليوم أيّ من أهداف الحرب التي استهدفت المدنيين الأبرياء ودمّرت مراكز إيواء اللاجئين وقصفت المدارس ودور العبادة والمعابر, بل واستهدفت حتى الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الغذائية والإيوائية والدوائية في محاولة لتجويع السكان المدنيين وفرض الهجرة القسرية عليهم للنزوح من أرضهم تحت وابل من نيران القذائف والقنابل المحرّمة دولياً تحت ذريعة الدفاع عن النفس وإرساء دعائم الأمن على حساب احتلال المزيد من الأراضي وبناء المستوطنات, وأيضاً على حساب تهديد أصحاب الأرض واعتقالهم والزّج بهم في ظلمات السجون ودهاليز مراكز الاعتقال التعسّفي دونما محاكمات أو مرافعات قضائية. وهنا أتساءل عمّا إذا كان السياسيون الصهاينة في إسرائيل يبحثون فعلاً عن الأمن كما يزعمون, فلماذا يتجاهلون القانون الدولي الإنساني الذي ينص على حماية المدنيين وتوفير ممرّات آمنة لقوافل الإغاثة, ولماذا يرفضون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومبادرات الوساطة الدولية وتوصيات محكمة العدل الدولية التي أدانت إسرائيل مؤخراً بارتكاب عمليات إبادة جماعية؟!
كما وأتساءل عن سبب رفض اليهود لمبادرة حل الدولتين التي تضمن لإسرائيل العيش بأمن وسلام إلى جانب الفلسطينيين, وهل في هذا العالم من يصنع القلاقل ويصعّد التوتّر في الأراضي العربية المحتلة, ويزوّد إسرائيل بكل ما من شأنه إطالة أمد الصراع المسلح في الشرق الأوسط؟! ولماذا يكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات التنديد والسماح فقط بالمظاهرات السلمية ورفع الشعارات المطالبة بوقف الحرب دون أن يفرض عقوبات صارمة على حكومة العدو الإسرائيلي لفرض وقف إطلاق النار أو على الأقل لاحترام قوانين الحرب والسماح بعبور شحنات المساعدات الغذائية إلى مخيمات اللاجئين في جباليا وبيت لاهيا وأحياء الزيتون والتفاح والشجاعية وأيضاً في رفح وخان يونس وغيرها من المناطق في قطاع غزة المحاصر على مرأى من جميع دول العالم, والذي يعاني نتيجة للحصار من نفاد الوقود ونقص الدواء والغذاء وحتى مياه الشرب النظيفة تحت غطاء الفيتو الأمريكي المدعوم ميدانياً بجسر جوي لنقل القنابل والصواريخ إلى الجيش الإسرائيلي ما أدّى إلى حدوث إبادة جماعية ومجاعة شاملة ودمار للبنى التّحتية الأمر الذي أسهم في تفشّي الأمراض المعدية في كل أنحاء القطاع, ناهيك عن موت الأطفال والنساء والشيوخ جوعاً بسبب نفاد حليب الأطفال ورغيف الخبز ومياه الشرب وحتى الأكسجين, فضلاً عن منع إسرائيل دخول شحنات المساعدات الغذائية لمخيمات اللاجئين.
أبعد كل هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في محاولة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني بدعم من أمريكا وحلفائها الأوروبيين, هل تحقق لإسرائيل بعد كل هذه المجازر شيء من الأمن الذي بحثت عنه بين أشلاء الشهداء وحطام قوافل المساعدات الإغاثية, وتحت ركام المنازل وأنقاض المباني الطبية والمراكز الأممية؟!
و هل عثرت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا عمّا بحثوا عنه في غزة ومن قبل في سوريا والعراق وفي أعماق البحار والمحيطات؟! فماذا يريدون ومتى يرحلون؟!
في الختام أود أن أوضّح بأن فرض المجاعة واستهداف قوافل الإغاثة وارتكاب جرائم القتل الجماعي ودفع البشر إلى النّزوح وسلب الحقوق وانتهاك القوانين والأعراف الدّولية لا ولن يحقّق لإسرائيل الأمن الذي تنشده وتبحث عنه منذ عام 1948 وحتى اليوم, ما لم تحترم حكومة الكيان المحتل قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات الأمم المتحدة، وتقبل بحل الدولتين, وتطلق سراح الأسرى والمعتقلين, وتتوقف عن بناء المستوطنات وتدمير الممتلكات, وتتّخذ إجراءات صارمة لمنع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وحينئذ يمكن لليهود أن يجدوا الأمن الذي يبحثون عنه بين أشلاء الأبرياء وتحت ركام التطهير العرقي والتهجير القسري والفصل العنصري.