د. عبدالواحد الحميد
فقدت منطقة الجوف أحد مثقفيها البارزين الأستاذ حمود بن مريحيل المبارك، رحمه الله، وهو من جيل الرعيل الأول الذي تعلق بالثقافة والصحافة والشأن العام، وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الثلاثاء الموافق للثاني من رمضان 1445هـ بعد مسيرة طويلة في عالم الثقافة والعمل الحكومي والقطاع الخاص في الجوف والرياض والمنطقة الشرقية.
عُرف الأستاذ حمود بولعه بالقراءة واقتناء الكتب، فكان يتابع معارض الكتب والمكتبات الشهيرة في المملكة وبيروت والقاهرة ودمشق ولندن وعَمَّان وكان يشد الرحال إلى هذه المعارض والمكتبات بشكل منتظم للحصول على أحدث الإصدارات في مختلف المجالات وفي مقدمتها القضايا الأدبية والإبداعية والقانونية والقضايا العامة. وابتدأت رحلته مع القراءة منذ أن كان فتىً يافعاً في سكاكا، واستطاع أن يقتني منها الكثير رغم صعوبة الحصول عليها في ذلك الزمان في الجوف لعدم وجود المكتبات التجارية، ولهذا كان أبو جهاد مصدراً لتزويد معارفه وأصدقائه بالكتب، وبخاصة الكتب الحديثة النادرة وترجمات الأدب العالمي وبعض الإصدارات التي قد لا تتوفر في المكتبات التجارية في المدن الكبيرة المملكة في ذلك الزمان.
وكان للأستاذ حمود المبارك دورٌ تنويريٌ وفضلٌ كبير على العديد من الشباب محبي القراءة، فكان يشجعهم ويزودهم بالكتب، وكان يفعل ذلك بحماس كبير إيماناً منه بأهمية القراءة والثقافة ورعاية المواهب الأدبية، وقد برز بعض هؤلاء الشباب على الساحة الثقافية بالمنطقة وخارجها وصدرت لهم بعض الأعمال الأدبية والفكرية، وما زالوا يعترفون بالفضل للأستاذ حمود في تشجيعهم ونمو مواهبهم وميولهم الثقافية.
وفي بداية مشواره الثقافي، مارس الأستاذ حمود المبارك رحمه الله العمل الصحفي لبعض الوقت في صحيفة القصيم التي كانت تصدر في زمن صحافة الأفراد ثم توقفت لاحقاً، فكان يراسلها من الجوف ويزودها بالأخبار، ويكتب فيها بعض المقالات في الشأن التنموي.
وقد دفعه طموحه المبكر إلى ترك عمله المستقر بالجوف قريباً من أسرته والمغادرة إلى الرياض من أجل طلب العلم والترقي في المجال الوظيفي حيث تتوفر الفرص في القطاع الحكومي والقطاع الخاص. وقد تحقق له ما أراد، واستطاع استكمال تعليمه الجامعي، ثم ارتحل لاحقاً إلى الخفجي والعمل في وظيفة قيادية في إحدى شركات النفط التي كانت تعمل هناك إلى أن تقاعد واستقر في الدمام دون أن ينقطع عن الجوف التي كان يتردد عليها بانتظام ويقيم فيها بين الحين والآخر بين أهله ومحبيه وعارفي فضله ومقامه.
ولم ينشغل عن متابعة الشأن الثقافي بعد انتقاله إلى الخفجي رغم أعباء الوظيفة ومسؤولياتها، فأصدر ديواناً شعرياً بعنوان «اعتراف» وكتاباً بعنوان «العدل: ضرورة إنسانية» في مجال تخصصه الذي درسه في الجامعة وهو الحقوق وكتاباً بعنوان «من مصابيح الحكمة ومأثور القول»، وقدَّم بحوثاً لبعض المنتديات.
عُرف الأستاذ حمود المبارك رحمه الله بدماثته وحُسن الخلق وحب مساعدة الآخرين والكرم، فكان منزله في الرياض يعج بالزوار والضيوف من أهل الجوف الذين يأتون لمتابعة معاملاتهم لدى الوزارات بالرياض وشباب المنطقة الذين يبحثون عن فرص العمل أو الالتحاق بالكليات والمعاهد، فكان يساعدهم ويسدي لهم النصائح ويوجههم لاختيار ما يراه مناسباً من خلال خبرته الوظيفية وتجاربه الحياتية وما يعرفه من معلومات عن عاصمة البلاد وما توفره من فرص وخيارات.
تمنيت على أبي جهاد في مراتٍ عديدة أن يكتب سيرته الذاتية، وكنت أُلِحُ عليه في ذلك كلما التقيت به في الشرقية أو الجوف أو دار بيننا حديثٌ هاتفي، لكن هذا الأمر ظل - بكل أسف - مشروعاً مؤجلاً لأسباب لم تكن مقنعة لي، فلو شاءت إرادة الله أن يكتب أبو جهاد سيرته الذاتية في كتاب لكان كتابه مصدر إلهام للكثير من الشباب المتطلع إلى تطوير نفسه والمشاركة في تنمية بلاده، فضلاً عما كان سيحمله ذلك الكتاب من ذكريات ومعلومات عن الجوف في بداية انفتاحها على التنمية وعلى الدنيا من حولها.
رحم الله الأستاذ حمود المبارك، وأسكنه الجنة، وجزاه خيراً على كل ما قدَّم.