فضل بن سعد البوعينين
شكلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع الفصل الأول في مسيرة التحول التنموي والصناعي في المملكة. حاضنة تنموية لقطاع البتروكيماويات، القطاع الثاني في الاقتصاد، والذي أسهم إنشاؤه في استغلال الغاز المصاحب للنفط وتحويله إلى منتجات بتروكيماوية أولية بدلاً من حرقه في الهواء، وإنشاء أكبر تجمع لصناعة البتروكيماويات في العالم.
عملت الهيئة الملكية على محورين رئيسين، الحاضنة السكانية المتمثلة في إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، والحاضنة الصناعية المرتبطة بمصانع البتروكيماويات والخدمات المساندة لها، ونجحت بكفاءة في تحقيق الأهداف الإستراتيجية في الجانبين، وهو نجاح غير مسبوق أحدث نقلة نوعية للمدن السعودية، وللتجمعات الصناعية.
فأصبحت الجبيل وينبع الصناعيتان من أجمل المدن العالمية، بتخطيطهما، وتصميم مكوناتهما الرئيسة، وأكثرها تحقيقاً لجودة الحياة.
أصبحت مدن الهيئة الملكية، وفي مقدمها الجبيل وينبع، مجتمعات متكاملة تتميز بخدماتها التعليمية، الصحية، الترفيهية، وبنى تحتية ذات جودة عالية معززة لجودة الحياة، وبما جعل منها مدن جذب سكاني تحتضن ما يقرب من 380 ألف نسمة.
أما مناطقها الصناعية فصنفت على أنها من أكبر التجمعات العالمية لصناعة البتروكيماويات، إن لم تكن أكبرها على الإطلاق.
تجانس كبير بين التجمعات الصناعية والمدنية تَحَقَّقَ من خلال نموذج تنظيمي فريد تميز بالاستقلالية، والشمولية، والكفاءة الإدارية، وأسهم في تحقيق النجاح، وجَعلَ الهيئة الملكية الجهة الأقدر للإشراف على مدن صناعية جديدة في جازان ورأس الخير، وإعادة تنظيمها لضمان تحقيق النجاح المنشود. ومثلما ساهمت الهيئة في احتضان قطاع البتروكيماويات، والمساهمة مع شركتي سابك وأرامكو السعودية في خلق قطاع اقتصادي جديد، بدأت مرحلة جديدة من التحدي في القطاع الاقتصادي الثالث وهو قطاع التعدين الذي خصصت له مدينة رأس الخير، إضافة إلى قطاعات اقتصادية مهمة ومنها صناعة السفن والخدمات اللوجستية.
لم تكن قصص النجاح مقصورة على ما تحقق في الجانبين المدني والصناعي، بل وعلى التدفقات الاستثمارية، وتوطين الصناعة، وتنويع مصادر الاقتصاد، والعائد على الاستثمارات الحكومية. أنفقت الحكومة ما يقرب من الـ 133 كاستثمارات رأسمالية ونجحت من خلالها في استقطاب استثمارات من القطاع الخاص بنحو 1274 مليار ريال.
أكثر من 1407 مليار ريال هي مجمل الاستثمارات للقطاعين الحكومي والخاص في مدن الهيئة الملكية، ما يعني أن كل ريال أنفقته الدولة على البنية التحتية أسهم في جذب 8.9 ريال من الاستثمارات المحلية والأجنبية. لا يقتصر النجاح على حجم الاستثمارات فحسب، بل تجاوزه إلى نقل التكنولوجيا، والتوطين وخلق الوظائف، وفتح آفاق أرحب لتمكين الصناعات الوطنية، وتحفيز الاستثمارات بأنواعها.
شكل نجاح النموذج التنموي في المدينتين الصناعيتين مؤشر أداء لإدارات الهيئة الملكية المتعاقبة، التي كان لها الفضل - بعد الله عز وجل - في تحويل الحلم إلى حقيقة وواقع محسوس، و تحقيق الأهداف الإستراتيجية التنموية بكفاءة وجودة عالية، بالشراكة مع القطاع الصناعي بقيادة شركة سابك، وأرامكو السعودية، ودعم الإستراتيجية الصناعية، وغرس بذرة التحول الأولى لتنويع مصادر الاقتصاد وبناء المدن الحديثة التي تضاهي بجمالها وخدماتها وتصميمها أجمل المدن العالمية.
خمسون عاماً من العطاء والبناء، والتنمية الصناعية والمدنية حققت من خلالها الهيئة الملكية تطلعات القيادة وأهدافها الإستراتيجية ونجحت في تشييد أعظم مشروعات البتروكيماويات في العالم، وأجمل المدن وأكثرها تحقيقاً لجودة الحياة، فحق لها أن تحتفل بهذا الإنجاز، وأن تحتفي بالقيادات التي شاركت في تحقيقه، وكل من ساهم في مسيرة الهيئة منذ اليوم الأول لإنشائها.