د. محمد بن إبراهيم الملحم
تمثّل هيئة تقويم التعليم والتدريب (وما يماثلها في أية دولة) حجر زاوية في الارتقاء النوعي للتعليم، حيث تمارس أدواراً مهمة في تقديم صورة أو بروفايل متكامل مع الجودة النوعية للمخرجات التعليمية، كما أنها أيضاً تضع أسس الجودة من خلال المعايير وأنظمة الاعتماد التي تشرّعها لتقديم الخدمات التعليمية في كل المستويات والمراحل ولكل أنواع التعليم سواء الأولي أو العالي أوالموازي وكذلك التدريب بأنواعه وفئاته، وكل ذلك يمثّل حزمة متكاملة من ضبط الجودة للعمليات التعليمية في البلاد. وهيئة تقويم التعليم والتدريب في المملكة وفقت في بدء عملها وقد تواجدت قبلها كيانات تقويمية مهمة مثلت أهم ممكِّن لتسلمها دورها التقويمي لتبني على الإرث الموجود وأبرز هذه الكيانات كل من مركز قياس وهيئة الاعتماد الأكاديمي، وفي السنوات الأخيرة خطت الهيئة خطوات ملموسة في الميدان بعد أن كانت كامنة في سنواتها الأولى لصناعة الفكر ووضع الإستراتيجيات وإعداد المعايير ورسم صورة مفاهيمية للواقع لتسير عليها، وباتت اليوم تنشر منتجاتها التقويمية في صور متنوعة وخدمات وطنية هادفة ومتماهية مع أبرز الممارسات الدولية في هذا المجال، وفي هذا السياق فقد أصدرت مؤخراً منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تقريراً عن دور الهيئة وما أنجزته من أجل أن يكون مرجعاً دولياً للتعرّف على الهيئة باعتبارها في مصاف المنظمات الدولية التقويمية المشابهة، وهذا رابط التقرير https://www.oecd-ilibrary.org/education/a-profile-of-an-evaluation-and-assessment-agency_318266a4-en وهذا يعني إطلاع 38 دولة عضواً بالمنظمة مثل: أمريكا، وكندا، بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والسويد، اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورا، وأستراليا، بالإضافة إلى أكثر من 40 دولة شريكة وهو الأمر الذي يعزّز قيمة الهيئة الدولية ويؤكد اتساقها مع التوجهات العالمية، وقد أكد السيد أندرياس شلايشر مدير عام التربية والمهارات بالمنظمة في حديثه عن التقرير بأن الهيئة استطاعت في أعوام قليلة تطوير أدواتها وتطبيقها بصيغة عملية وفق الاحتياجات الفعلية للسياق السعودي.
بعد أن استعرض التقرير تاريخ نشأة الهيئة وعرف بأقسامها وأدوارها الأساسية أشاد التقرير بكونها ضمت وضع معايير المناهج بالإضافة إلى دورها التقييمي، حيث يرى التقرير أن وجود هاتين المهمتين في نفس المنظمة سبيل إلى توحيد الرؤى وتكاملها بين المدخلات (تصميم المنهج) والمخرجات (نتائج التقييم) وهو أسلوب ناجح وفعّال جداً لضبط الجودة التعليمية. كما أشاد التقريرأيضاً بالاختبار المعياري الوطني، وذلك أنه بعد أن أعطى فكرة عن الاختبارات الوطنية التجريبية التي أجرتها الهيئة على عينات في دورتين عام 2015 و2018 وذلك لسنوات مختارة من المرحلتين الابتدائية والمتوسطة فقد أشاد بالاختبار الذي تلاهما عام 2022 والذي كان أكثر نضجاً وتناول موضوعات الرياضيات والعلوم والقراءة للسنوات 3 و 6 الابتدائية والثالث المتوسط، حيث ذكر أنه مشابه في مجاله لما هو موجود في دول منظمة OECD كما أنه متسق مع توصيات مراجعات المنظمة لتلك الممارسات عام 2020، وبالإضافة لذلك فإن كونه بدأ اختباراً رقمياً فهو قد حقق منذ البداية ما توصلت له أغلب الاختبارات الوطنية في الدول الأخرى سواء تلك التي تحولت فعلاً إلى الرقمية أو الدول التي تسعى إلى ذلك التحول.
حرص التقرير على أن يقدم فكرة عن تمويل الهيئة سواء ذلك الذاتي من خلال رسوم الاختبارات والاعتمادات التي تقدمها للجهات والأفراد أو الدعم الحكومي وشروطه ومقتضياته وقارن بينها وبين هيئات إقليمية ودولية مشابهة في هذا الصدد، كما استعرض قواها البشرية، موضحاً أنها تدمج في ذلك بين الخبرات المحلية من خلال توظيف الخبراء والمختصين السعوديين، مع تدريبهم وتطويرهم، بالإضافة إلى الاستعانة بالخبراء الأجانب، ويضاف له ما تقدمه تعاقدات وتعاونات الهيئة مع مؤسسات وبيوت خبرة دولية متخصصة سواء لتنفيذ مشروعاتها أو تقديم المشورة، واختتم التقرير بتوضيح الجانب الرقمي digitization موضحاً أهم المنصات الرقمية التي أنشأتها الهيئة لإدارة منتجاتها الاختبارية وأبعاد ذلك على جودة خدماتها.
التقرير بني على دور بحثي تطويري كلفت به الهيئة منظمة OECD من أجل تقديم دراسة معيارية مرجعية للهيئة توضح أين تقع ضمن المنظمات الدولية المشابهة benchmarking وكيف يمكن للهيئة أن تفيد من التجارب الأخرى وتستكمل ما ينبغي لها ضمن أدوارها لتكون في أفضل أوضاعها المعيارية دوليا، بالإضافة إلى تقديم المشورة الفنية في أعمال الهيئة وأنظمتها، ومن هذا المنطلق فقد رأت منظمة OECD أن ما اطلعت عليه من مهام وأعمال وإنجازات الهيئة جدير بالنشر والتقديم لبقية المنظمات الدولية لتتم الإفادة من التجربة السعودية دوليا، وهو مؤشر مبكر إيجابي لقيمة الهيئة وأهميتها، ولا شك أن باقي الدراسة سيكون له دور أكبر وسيساعد الهيئة على قفز أميال أكبر مما كانت تقطعه في مسيرها المعتاد، ولا أشك لحظة أن هذه البادرة من الهيئة في التعاون مع منظمة عريقة ومحترمة مثل المنظمة الأوروبية من أجل الوصول إلى تصورات مبنية على أسس علمية مدروسة بواسطة بيت خبرة مميز هي خطوة جبارة من الهيئة وضربة معلم من قيادتها وفريق خبرائها وأهنئ الهيئة على هذا الإنجاز.