مشعل الصخيبر
مع قرب حلول شهر رمضان المبارك من كل عام يعود بي شريط الذكريات والحنين إلى الماضي لبدايات الصيام والجلسة مع والدي ووالدتي -رحمهما الله - اللذان افتقدتهما قبل عدة سنوات، حيث توفي والدي قبل 13 عاماً ووالدتي قبل 7 أعوام وتبادل الحديث معهما والأنس بصحبتهما وذكرياتهم مع الصيام قديماً وزيارة أقاربهما وعن صلاة التراويح والقيام بمسجد الحي وبساطة الحياة والعادات القديمة وكيف كان الناس يستقبلون شهر رمضان المبارك وما الذي اختلف وتغير من عادات في الوقت الحاضر وكيف كان يصل خبر حلول شهر رمضان لأهل قريتي وما هي الوسائل لإيصال الخبر. الذكريات الرمضانية جميلة رغم الحياة البدائية في تلك الحقبة الزمانية. كان مقر إقامتي أحد المراكز التابعة لمنطقة القصيم وكان خبر حلول شهر رمضان المبارك يصل عن طريق مركز الشرطة، حيث يستخدمون مكبر الصوت في دورية الشرطة الذي يتحدث من خلال رجل الأمن بعبارة «ثبت هذه الليلة دخول شهر رمضان المبارك»، ويستمر في إشعار الناس بالخبر عن طريق دخول الدوريات داخل الأحياء، حيث يتم تناقل الخبر بسرعة كسرعة النار بالهشيم لأنه لا يوجد وسائل إعلامية يعرف الناس من خلالها دخول شهر الصيام وكانت الحياة بسيطة يجتمع الجيران على مائدة الإفطار وبعدها صلاة المغرب ثم العودة لتناول الإفطار ومن ثم صلاة التراويح في مسجد الحي القريب وبعدها يكون فيه اجتماعات وزيارات للأقارب والأصدقاء. وكانت الوسيلة الوحيدة للترفيه للشباب هي دوري لكرة القدم الذي ينتهي قبل دخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أستعداداً لصلاة القيام والتهجد كانت الحياة بسيطة وجميلة وكان الاجتماع في تلك الحقبة وجلسات السمر في المنازل يتبادلون القصص والاحاديث التي لاتخلو من الطرائف والمواقف المضحكة وبعدها كل يعود لبيته استعداداً لتناول السحور وأداء صلاة الفجر جماعة في المسجد وكان الناس حريصين على التواصل مع بعضهم البعض احتساباً للأجر والتماساً لحاجات البعض إن وجدت.
ومن الأشياء التي افتقدت في السنوات الأخيرة هو قلة الاجتماعات والتواصل بين البعض حتى الجيران أصبحوا لا يرون بعضهم إلا في مسجد الحي لأداء الصلوات الخمس وأصبح كل رب أسرة يتناول وجبة الإفطار مع أسرتة وانتهى تفاطر الجيران من سكان الحي واجتماعهم كل يوم في منزل أحدهم، وهذا قد يكون بفعل وسائل التواصل الحديث التي أصبح من خلالها الناس يتواصلون ويتبادلون التهاني في المناسبات الدينية وغيرها وأصبحت وسيلة التواصل الوحيدة بينهم هي القروبات الخاصة لسكان الأحياء من جيران أو أقارب فتقلصت هذه الزيارات المباشرة وهذا التواصل والحرص على تبادل الزيارات وفي هذا العصر اختلفت وسائل الترفيه ومكان الاجتماعات لقضاء ليالي رمضان والسهر ليلاً، حيث أصبح هناك الكثير من وسائل الترفية والاجتماعات فحلت مكان اجتماعات المنازل الاستراحات التي يجتمع فيها الشباب وكذلك المتنزهات العائلية التي تقضي بها الأسر الساعات الطوال لما تحتويه من ألعاب الأطفال وملاعب كرة القدم وكذلك الأسواق والمطاعم والمحلات تستمر في أنشطتها التجارية إلى وقت متأخر من الليل وأصبحت ساعات الأنس والاجتماعات والتجمعات تمتد إلى الفجر على خلاف الماضي، حيث تغلق المحلات والمطاعم والبوفيهات في الساعة 12 ليلاً وكانت الحياة بسيطة جداً بعيدة عن التكلف. أفرح لدخول رمضان في كل عام كبقية المسلمين في العالم الإسلامي ولكن فيها أشياء أفتقدتها وهي كانت مصدر سعادتي بالحياة أتذكرها عند حلول شهر رمضان من كل عام وفي الأعياد وتؤلمني تلك الذكريات وهما والدي ووالدتي -رحمهما الله- حزنت لفقد والدي وتألمت لرحيل والدتي اللذين كانا هما مصدر سعادتي وبهجتي في الحياة عندما كنت أتناول الإفطار والسحور معهما في شهر رمضان المبارك قبل رحيلهما قبل عدة أعوام، أنا أجزم أن كل شيء بالحياة يمكن تعويضة مهما كان خسارتة وبلغ حجمها إلا فقد الوالدين أحدهما أو كلاهما فمن كان والداه حيين فإنه في سعادة فليزمهما يقبل رأسيهما ويديهما وليقض الساعات الطويلة بينهما براً بهماً وليسعد بالأنس معهما لأن الرحيل ليس له زمن محدد أو مكان معين، هي أقدار الله يكتبها لعباده لكن السعادة الحقيقة هي الجلوس بين الوالد والوالدة لا تأخذكم الأشغال والأعمال عن الجلوس بين يديهم فالأشغال والأعمال والمهام لن تنقضي.
أطال في عمر من كان والداهما على قيد الحياة ورحم من رحلوا وتركوا في أرواحنا ألماً لرحيلهم اللَّهم لا اعتراض على قضائك وقدرك لا تنسوهم من الدعاء والصدقة في شهر رمضان المبارك والبر من خلال زيارة أقاربهم وأصدقائهم قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا .