نوف بنت عبدالله الحسين
يقول غابريل غارسيا ماركيز: (كانت أمنياتي ألا تجبرني أمي على الإفطار، وأن تسمح لي باللعب عصرًا في الحديقة، وأن يشتري لي أبي دراجة، وأن ترسم المعلمة على يدي نجمة، كيف تعقّد الأمر بهذه السرعة؟).
في خضم الأمنيات الكبيرة، ننسى أن نتوقّف قليلًا لنستشعر التفاصيل الصغيرة حولنا، ونحتفل بالإنجازات المتواضعة، وأن نعيش قليلًا في هامش الحياة للحظات مستمتعين بكوب شاي منعش وصوت طلال يناسب محتفيًا بإنجاز صغير: (يا حبيبي عندنا لحن جديد، آه لو يبتسم لي الحظ السعيد، لأغني وحبيبي يستعيد، كلما قال أعد... رحت أعيد) ولسان حالي يقول أعد يا أبو عبدالله، أعد.
جميل أن نحقق أمنياتنا الكبيرة وأن نسعى للوصول إلى تحقيقها، ولكن استعجالها منهك جدًا، وتأجيلها قتل في المهد! لذلك كن بين البينين في السعي والترقّب، والتعديل والتهذيب، والتطوير والإتقان، فكل أمنية تتحوّل إلى حقيقة إذا سعينا لها ونحن مستمتعين، ونتعامل مع التوجيه الرباني بثقة عالية {وأن سعيه سوف يُرى}، وأن لا نركن إلى مساحات اليأس والإحباط، بل لنودع أمنياتنا الكبيرة في أدعيتنا ونوجهها للسماء، واثقين ومطمئنين، بأن الله سبحانه سيكللها بالتحقيق والتوفيق والبركة.
وما بين الأمنيات الكبيرة والأمنيات الصغيرة، تقع على عاتقنا رصدها ومشاهدة أثرها، فكل يوم أحتفي بصندوق الطعام الذي أعددته لابني الصغير للمدرسة، وكل يوم أحتفي بصوت أمي حين أتصل عليها وأحاورها بعد عناء يوم طويل مختلسة وقت الطرقات وزحمتها في الحوار اللذيذ الجميل، وكل يوم أحتفي بأخواتي وهن يشاركنني أجمل وأعظم مشاهد لأبنائهن تسلي الخاطر وتريح الوجدان، وكل يوم أحتفي بأخي الذي يعمل بصمت ويتعامل مع المزاج المتقلّب في أوقات دوامه ومع أنواع البشر المختلفة.
نعم، احتفوا وترقبوا الأمنيات الصغيرة، فهي طريق لأمنيات أكبر، وتحقيقها يستحق الإشادة منك، فأنت المحفّز الأول والأساسي لك، وتذكر أن لا تعتاد الأمنيات الصغيرة وكأنها أمر عادي ولا يستحق الذكر، بل ترقب حدوثها بمشاعر مليئة بالدهشة والترقب، تمامًا كما يخفق قلبك حين كنت صغيرًا مترقبًا النجمة التي سترسمها المعلمة على يدك الصغيرة، وكأنها كوكب دري تشاركها الجميع وتفرح بها كأعظم أمنية حققتها.