د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
من استعمالات العربية التي هجرها المحدثون، مع طرافتها، ما عبِّر عنه في النحو العربي بالاستثبات، وهو أن تسأل عن العاقل أو العالِم تخبَر عنه ليثبت لك أمره، وقد يكون السؤال عن نكرة أو معرفة، ولاسم الاستفهام (مَنْ) حالان، الوصل أو الوقف عليه.
تسأل عن النكرة في قول القائل لك «زارني رجلٌ»: مَنِ الرجلُ؟، ومن قال «أكرمت رجلًا»: من هو؟ ومن قال «مررت برجل»: من مررت به؟ هذا حال (مَن) في السؤال عن نكرة إن جاء اسم الاستفهام في وصل لا وقف، و(مَن) اسم مبني على السكون في محل رفع. ولفظه مفرد؛ ولكنه يستعمل للدلالة على المثنى والجمع أيضًا.
وإن وقفت على (مَن) وصلته بمدّ يحكي إعراب من سئل عنه، قال ابن يعيش «فإذا قال القائلُ: هذا رجلٌ، قلت في جوابه: مَنُو؟ وإذا قال: رأيت رجلًا، قلت في جوابه: مَنَا؟ وإذا قال: مررت برجل، قلت: مَنِي؟ وتُثني، وتجمع، وتُؤنث، فتقول إذا قال: هذان رجلان: مَنَانْ؟ وإذا قال: رأيت رجلَيْن، أو مررت برجلَيْن، قلت: مَنَيْنْ؟ وإذا قال: هؤلاء رجالٌ، قلت: مَنُونْ؟ وإذا قال: رأيت رجالًا أو مررت برجالٍ، قلت: مَنِينْ؟ فإن قال: رأيت امرأةً، قلت: مَنَهْ؟، ومَنْتْ؟، كما يقال: ابْنَهْ، وبِنْتْ. وإذا قال: هاتان امرأتان، قلت: مَنْتَانْ؟ وإذا قال: رأيت امرأتَيْن، أو مررت بامرأتَيْن، قلت: مَنْتَيْنْ؟ بإسكان النون، كأنّه ثنّى مَنْتْ، فقال: مَنْتَان، كما يقال: بِنْتَان، وثِنْتَان. وإذا قال في الجمع: رأيت نساء، قلت: مَنَاتْ؟ بإسكان التاء»(1).
وينبهنا ابن يعيش إلى أمر مهمّ، وهو أن هذه الزياداتُ (الواو والألف والياء) ليست علامات إعراب لما دخلتْ عليه، وهو (مَن) المبنيّ، وإنما هي علامات يُحكَى بها حالُ الاسم المتقدّم من رفع ونصب وجرّ(2).
والأصل أن تحكى الحركات أنفسُها؛ ولكن الوقف يذهب بها فيفوت الغرض فجعلت مدودًا، قال ابن يعيش «إنما دخلت الحركات التي هي الضمةُ والفتحة والكسرة (مَنْ) في حال الوقف حكايةً لإعراب الاسم المتقدّم، ولم تكن الحركةُ ممّا يُوقَف عليها، فوصلوها بهذه الحروف لتبيينِ ما قصدوه من الدلالة، فوصلوا الضمّةَ بالواو، والفتحةَ بالألف، والكسرةَ بالياء»(3). ويمكن القول إنه وُقف على الحركات بالمدود استصحابًا للأصل السامي في ذلك، وهو أصل نسب استعمالَه سيبويه إلى بعض القبائل، قال «وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون هذا: زيدو، وهذا عمرو، ومررت بزيدي، وبعمري؛ جعلوه قياسًا واحدًا؛ فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف»(4).
وهذا قول جمهور العرب؛ ولكن منهم من اكتفى بلفظ الواحد المذكر، قال ابن يعيش «قوم من العرب لا يحكون إلَّا الإعرابَ لا غيرُ، فيقولون في الرفع: «مَنُو»، وفي النصب: «مَنَا»، وفي الجرّ: «منِي»، سَواءٌ في ذلك الواحدُ، والاثنان، والجمع، والمذكر، والمؤنث»(5).
وأما السؤال عن العلَم فله سبيل أخرى في الوقف تلبي حاجة السائل إلى معرفة نسب من ذكر له، ولذلك تكتنف (مَن) لام التعريف وياء النسب، قال ابن يعيش «فإذا أراد ذلك، أدخل الألفَ واللام على (مَنْ) من أولها، وأتى بياء النسب من آخِرها، وأعربها بإعرابِ الاسم المسؤول عنه»(6). وذكر أمثلة لذلك قال «فإذا قال: جاءني زيدٌ، قال: الـمَنِيُّ؟ « وإذا قال: رأيت زيدًا، قال: الـمَنِيَّ؟ وإذا قال: مررت بزيدٍ، قال: الـمَنِيِّ؟ كأنه قال: الثقَفي أم القُرَشي؟، وإذا قال: جاءني الزيدان، قلت: الـمَنِيّانْ؟ وفي النصب والجرّ: الـمَنِيّينْ؟»(7). وأجاز أن يجتزأ بحالة الرفع (الـمَنيُّ)(8). وحركة ياء النسب تحذف لأنه يوقف عليها.
وأما قول الناس اليوم في دول الخليج (مِنو) فليس من هذه الظاهرة بل هو مركب من (مَن هو؟).
**__**__**__**
(1) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 417.
(2) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 417.
(3) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 417.
(4) الكتاب لسيبويه، 4/ 167.
(5) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 423.
(6) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 425.
(7) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 425.
(8) شرح المفصل لابن يعيش، 2/ 425.