خالد محمد الدوس
ظهرت نظرية التمثيل المسرحي عام 1959 عندما نشر مؤسس هذه النظرية العالم الأمريكي (إرفنغ غوفمان) مؤلفه الموسوم (عرض الذات في الحياة اليومية). ومن المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها هذه النظرية: أن الحياة الاجتماعية التي نعيش فيها ما هي إلا مسرح كبير له باب يدخل من خلاله الممثلون وباب آخر يخرج منه الممثلون بعد الانتهاء من فصول أو مشاهدة تمثيلهم، والممثلون هم الأفراد الذين يعيشون في المجتمع ويمثلون أدوارهم الاجتماعية، حيث يلعب الفرد دوره في حياته الاجتماعية كممثل فإذا أجاد لعب الأدوار فإنه يلقى الاحترام والتقدير من الآخرين وبخاصة من الأعلى منه. وإجادة الأدوار تعني إظهار الجانب الجيد من سلوكه وشخصيته وعلاقاته وإخفاء الجانب السيئ أمام الآخرين، وقد وضع أسس ودعائم هذه النظرية العالم الاجتماعي (إرفنغ غوفمان).. أكثر علماء الاجتماع الأمريكيين في القرن العشرين شهرةً.
ولد هذا العالم في مانفيل بألبرتا في كندا في 11 يونيو 1922، وكان ينتمي إلى عائلة أوكرانية هاجرت إلى كندا في أواخر القرن العشرين؛ حيث نشأ وترعرع فيها وبعد الانتهاء من تعليمه العام التحق بالدراسة الجامعية في «جامعة تورنتو» وتخرج منها عام 1945 ثم انتقل إلى «جامعة شيكاغو» الأمريكية التي مكنته من أن يتعلم في قسم الاجتماع على يد أشهر علماء الاجتماع الأمريكان، ومنهم العالم «روبرت بارك «وكليفورد شو»، ووجد غوفمان الدعم والتشجيع من مشرفه «لويد وارنر» على متابعة اهتمامه بالإنثربولوجيا الاجتماعية، حيث نال درجة الماجستير في جامعة شيكاغو عام 1949، ثم تلا ذلك شهادة الدكتوراه عام 1953 في علم الاجتماع، وكانت أطروحته بعنوان: (سلوك الاتصال في مجتمع الجزيرة)، وواصل مساره الأكاديمي أستاذاً في جامعة بركلي ثم جامعة بنسلفانيا الأمريكية عام 1968 وتلقى كرسي بنجامين فرانكلين في علم الاجتماع وعلم النفس، ويعود الفضل في ذلك وبشكل كبير إلى جهود العالم الاجتماعي «ديل هايمز»؛ وهو بروفيسور سابق في جامعة بنسلفانيا. وفي عام 1969 أصبح زميلاً في الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون، وأصبح غوفمان أحد مؤسسي الجمعية الأمريكية لإبطال الاستشفاء العقلي اللاإرادي.
كان اهتمامه منذ بداية عمله الأكاديمي يتركز حول إنشاء إطار عمل لتحليل التفاعل الاجتماعي، وتعتبر التفاعلية الرمزية واحدة من المحاور الأساسية التي تعتمد عليها النظرية الاجتماعية، ومنها أسس نظرية التمثيل المسرحي, ولذلك كانت دراسة «غوفمان» عن نظرية التفاعل الرمزية أفضل إسهاماته في مجال النظريات الاجتماعية حيث اتخذت دراسته شكل تحليل اجتماعي. كما ينسب الفضل لهذا العالم الراحل في صياغة مصطلح تحليل الإطار وهو تصنيف لمجموعة من الأساليب المستخدمة لدراسة التركيبات الاجتماعية للواقع وفهم فكرة الإطار على أنها التعريفات المحددة ثقافياً للواقع التي تسمح للناس بفهم الأشياء والأحداث من حولهم وذلك بتنصيب تحليل الإطار كعنصر من عناصر (البحث الإثنوغرافي) الذي يساعد المحللين على قراءة أجزاء محددة من السلوك الاجتماعي؛ وبالتالي فهم الأطر التي يستخدمها المشاركون لسلوكهم. ولهذا المصطلح تأثير كبير على الحياة الاجتماعية وعلى طيف العلوم الاجتماعية الواسع. ولعمق ثقافته وأفقه الواسع في ميدان علم الاجتماع ترك العالم الراحل غوفمان العديد من المؤلفات الغزيرة والكتب القيمة، وقد صنف منها أربعة كتب ضمن أفضل (مئة كتاب) في هذا المجال بحسب الاتحاد الدولي لعلم الاجتماع، وهي كتاب: المصحات، وكتاب الوصمة، وكتاب تحليل الإطار، وكتاب تقديم الذات في الحياة اليومية.
ولإسهاماته العلمية ومنجزاته البحثية فقد حصل (إرفنغ) على العديد من الجوائز التي كرمت إنجازاته العلمية البارزة ومنها زمالة في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم عام 1969، وزمالة في متحف غوغنهايم عام 1977، وجائزة كوكي وميد للمنح الدراسية المتميزة الثانية في علم النفس الاجتماعي من جمعية علم الاجتماع الأمريكية عام 1979، كما منح جائزة ميد من جمعية دراسة المشكلات الاجتماعية عام 1983، وتقديراً لمنجزاته العلمية فقد عُيّن الرئيس الثالث والسبعين للجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع عام 1981، كما صنف كسادس أكثر المؤلفين اقتباساً في العلوم الإنسانية والاجتماعية عام 2007.
توفي العالم الاجتماعي الأمريكي «إرفنغ غوفمان» في مدينة فيلادلفيا التي تقع في ولاية بنسلفانيا في 19-11-1982 عن عمر يناهز الـ 60 عاماً إثر إصابته بمرض السرطان بعد أن لعب دوراً مهماً في تطوير علم الاجتماع الأمريكي الحديث، واعتبره البعض من أكثر علماء الاجتماع تأثيراً في القرن العشرين نظراً لإسهاماته العديدة كشخصية بارزة في تطوير نظرية التفاعل الرمزي ولتطوير المنظور الدرامي، وصنف في ضوء أعماله البحثية ومنجزاته العلمية رائداً لعلم الاجتماع الجزئي.